بسم الله الرحمن الرحيم فماذا نعمل بعد يا أقوام الشرق الشاعر الإسلامي الكبير الدكتور محمد إقبال دراسة وتحليل الدكتور ساجد الرحمن الصديقي بسم الله الرحمن الرحيم تقديم بقلم الأديب والشاعر والأستاذ الدكتور عارف كرخي أبوخضيري أستاذ الأدب العربي المشارك بجامعة بروناي دار السلام الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي العربي الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. و بعد: فهذا كتاب جديد وشيق وطريف لصديقي العالم الباكستاني الجليل الأستاذ الدكتور ساجد الرحمن الصديقي، وهو زميل عزيز تجمعني به صلات ثلاث وثيقة، هي مهنة التدريس في جامعة بروناي دار السلام، وحرفة الأدب، وحب العلامة الشاعر الإسلامي الباكستاني الكبير محمد إقبال، وهو محدّث وأديب ولغوي ومترجم، له باع طويل في ميدان الترجمة، وقد اشتركنا معاً في العام الماضي في ترجمة ديوان محمد إقبال " بس جه بايد كرد أي أقوام شرق" (فما ذا نعمل بعد يا أقوام الشرق) إلى اللغة العربية، وهي حسب علمي أول ترجمة عربية لهذا الديوان الشعري الخطير الذي نظمه إقبال باللغة الفارسية التي أجادها إجادة تقرب من إجادته للأردية لغته الأم أو لعلها تفوق، كما كان الشاعر يرى نفسه، وهو أمر يدعو إلى التقدير والإعجاب والتنويه. وقد نظم إقبال هذا الديوان بآخرة حياته في سنة 1936م أي قبيل وفاته بعامين فحسب وضمنه خلاصة تجاربه وفلسفته وأفكاره وأسلوبه الشعري الراقي المتميز، ثم درسنا النص ورموزه ووضعنا معجماً لمصطلحاته في آخر الترجمة وفسرناها في شيء من الإيجاز والاختصار، وعند ما انتهينا من عملنا دفعنا بالترجمة إلى مكتبة الآداب الشهيرة بمصر، فقام صاحبها ومديرها الصديق والأديب النابه المعروف الأستاذ أحمد علي حسن بإخراج المثنوي في صورة بديعة رائعة،ننوه بها ونشكره عليها لما أسبغ عليه من دقة وضبط وإتقان. وأذكر أن الأستاذ الدكتور الصديقي كان قد أبدى لي آنذاك رغبته في أن نضمن الكتاب شرحاً للمثنوي، فأشرت عليه أن يرجئ هذا العمل ليخرجه منفرداً إن أراد في مؤلف مستقل خاص به، أسوة بما كان يصنعه علماؤنا العرب الكبار في العصر القديم في شروحهم المشهورة لدواوين الشعراء أمثال عنترة وحسان وابن الفارض والمتنبي وغيرهم من ناحية، وما يصنعه العلماء والأدباء الباكستانيون أنفسهم في دواوين العلامة محمد إقبال في العصر الحديث من ناحية أخرى، وهي ظاهرة تلفت النظر؛ إذ وضعت حول دواوين إقبال شروح كثيرة لما فيها من فلسفة ورموز وإشارات صوفية بعيدة؛ فقد شرح مولانا غلام رسول مهير (أذان الرحيل) و(جناح جبريل) و(ضرب الكليم) وشرح مولوي صبغة الله بختياري (رسالة جاويد) ووضع يوسف سليم جشتي وحده عشرة شروح كاملة ، أولها لأسرار النفس، والثاني لرموز النفس، والثالث لأذان الرحيل، والرابع لرسالة جاويد، والخامس لزبور العجم، والسادس للمسافر، والسابع لجناح جبريل، والثامن لضرب الكليم، والتاسع لهدية الحجاز، أما العاشر فلديوان (بس جه بايد كرد أي أقوام شرق) أي لديوان (فما ذا نعمل بعد يا أقوام الشرق) الذي صنع له الدكتور الصديقي هذا الشرح الذي نقدمه لقراء العرب اليوم. بيد أنه من الجدير بالذكر هنا أن شرح الدكتور الصديقي هذا يُعدّ أول شرح باللغة العربية وُضع لترجمة ديوان إقبال، ومنهجه فيه يختلف عن منهج القدماء ؛ إذ أنه يقسم المثنوي إلى أربعة وأربعين قسماً، ويشرح كل قسم منها شرحاً إجمالياً، ويبرز فيه روح النص وفكرة الشاعر، ويفسر فلسفته ورموزه دون إلتفات إلى المفردات، أو وقوف عند الأبيات بيتاً بيتاً كما كان يصنع الزوزني أو المرزوقي أو ابن الأنباري مثلاً. ويكفي أن نذكر هنا مثالاً واحداً فقط لطريقة الدكتور الصديقي في شرح المثنوي وإليكم هذه الأبيات الأربعة الأخيرة: عبدٌ في قلبه قَرْحٌ من ألم الحب مثل القرح الذي يكون في اللالة والأحبة لا يعرفون شيئا من أمر هذا القلب عبدٌ يشكو ويحن مثل الناي أناشيد هذا الناي جعلت روحي مضطربة لا قرار لها مثل الحطَب الذي لا تزال باقية فيه شعلة من نار رحلت القوافل والدخان يعلو عن الوجود في هذه الصحراء الواسعة أشكو و أحن لَعَلَّ قافلة أخرى تنزل يقول الشارح: " أشعر بألم الحب، وسبّب هذا الألم الشديد قروحاً في قلبي، فصار قلبي مثل اللالة التي يوجد فيها حمرة الدم من ألم قلبها. أنا أشكو كما يشكو الناي، وأناشيد هذا الناي جعلتني مضطرباً (ولعل الرومي، كما ذكرنا من قبل، يريد أن يلمح بهذا التعبير إلى ما قاله بعض الصوفية، إن من فطرة الإنسان أن يتجه إلى خالقه، فهو يحن إلى أصله بكاء الناي وحنينه إلى أصله) وا أسفاه، رحلت القافلة ولم يبق في الصحراء إلا قليلٌ من النار، وشيءٌ من الدخان الذي يدلُّ على أن الأحبةَ قد رحلوا من هذا المكان. وأنا واقفٌ في الصحراء أشكو وأحِنُّ وأبكي على فراق الأحبة. (يريد إقبال بهذا الكلام أن قافلة الإسلام قد رحلتْ، ولم تبْق في المسلمين تلك الأوصاف والأخلاق التي كان المسلمون الأوائل يتحلّون بها، وأنا أشكو وأبكي على ما نال الأمةُ من التقهقر والزوال). وأحسب أن زبدة الشرح هنا قد وضعها المؤلف بين الأقواس وكأنه بذلك يريد أن ينبهنا إلى المغزى الذي أراده إقبال وهو أن المسلمين في حاجة إلى زاد الحب من جديد، ويأمل في أن تمتلئ به أفئدة الأجيال القادمة من أمتنا الخالدة. وهذه طريقة في الشرح فيها كثير من الفائدة والعمق؛ فهي لا تشرح لنا مغزى النص فحسب، بل وتبين لنا رموز الشاعر ومصادر فكره أيضاً. فالذي يعني الشارح هنا أمران مهمان: أولهما فكر إقبال الإسلامي، والثاني مذهبه الصوفي. والكتاب كله نموذج طريف لطريقة هذا العالم الباكستاني الأديب في شرح الشعر، وهي من هذه الناحية عمل نرحب به ونهنئ المؤلف عليه، ونحثه حثاً على مواصلة نقل هذا التراث الشعري والأدب الباكستاني إلى لغتنا العربية؛ لأن أدب اللغة الأوردية، كما يقول الدكتور محمد مجيب المصري بحق، " الأدب الإسلامي كل الإسلامي، لأنه تضمن تراث المسلمين في شتى جوانبه ومظاهر حضارتهم في ذروتها بعد أن تلقاها في آخر مظهر من مظاهر اكتمالها." وبذلك يمكننا أن ننتفع بأعمال أدبائهم الباكستانيين العظام من أمثال أمير خسرو وغالب وسودا ودرد وأنيس ومصحفي وذوق ومير ودبير من الشعراء ونسيم حجازي وشبلي نعماني وسيد أحمد خان من الناثرين. والله ولي التوفيق دكتور عارف كرخي أبو خضيري جامعة بروناي دار السلام يناير 2005م بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة كان المفكر الإسلامي محمد إقبال نابغة عصره في تقديم أفكاره الأنيقة في شعره الرائع البديع. وكان فكره كله مقتبساً من القرآن والسنة النبوية ونابعاً من حبه العميق لله ولرسوله. وقد أقسم بالله العظيم أن جميع ما قاله منبعه الكتاب والحديث النبوي وأنه لو كان كاذباً في دعواه لحرم من شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. وهذا حلف عظيم يدل بلا شك على أن فكر إقبال قد صدر عن ذلك المنبع الصافي الذي ينبع منه كل خير وحق. وهذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم إنما هو قصيدة طويلة نظمها إقبال باللغة الفارسية في آخر عمره (توفي إقبال سنة 1938م وطبعت القصيدة في كتاب في سنة1936م أي قبل وفاته بعامين) يجمع إقبال فيها أفكاره العالية المبنية على أسس قيمة، ويشير في هذه المنظومة إلى عصره المليء بالمشاكل الدينية والاجتماعية التي أحاطت بالمسلمين من كل جانب ولا يجدون سبيلا إلى الخروج منها، ويطرح إقبال سؤالا بين يدي الأمة المسلمة : فما ذا نعمل بعد؟ ثم يجيب عن هذاالسؤال. وكان إقبال يحب الله ورسوله حباً جماً وقد عبر عن هذا الحب في شعره وكان على يقين واثق من أن التراث الوحيد الأسمى لايزال باقياً في أيدي المسلمين وأنه مهما خمدت نار العشق فإنها ستتوقد وتسطع بعد قليل إذا بدت الحاجة إليها. ويرى إقبال أن الرفعة والعظمة التي نالهما المسلمون الأوائل إنما هما نتيجة ذلك الحب العميق لله ولرسوله والذي كان السلف متصفين به وتضيئ قلوبهم به. فإنهم لما استنار فكرهم بهذا النور العظيم ملأوا الدنيا بالنور والعلم والعرفان. ولو أراد المسلمون النهوض مرة أخرى في هذا العصر فإنما ينهضون بالذي نهض به الأولون، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.وهذا ما يقوله إقبال في مطلع هذه القصيدة : أعد جيوشا جديدة من ولاية الحب لأن الحرم في خطر من بغي العقل فالميزة المهة التي تمتاز بها هذه القصيدة أنها تشتمل على فكر إقبال في تطوره النهائي وتتضمن ما حصّله طيلة حياته من العلوم والمعارف الناشئة من حب الله ورسوله. وكان إقبال يرى أن الدين الإسلامي دين شامل لكل مافيه الخير للإنسان وجامع لكل ما يحقق سعادته الدنيوية والآخروية. فهذا دين جمع في طياته كل ما يحتاج إليه الإنسان في نواحي حياته العديدة المتنوعة ويرشده إلى ما فيه صلاحه في نظم حياته الدنيوية وبقائه وسعادته في الآخرة. ولما كان الإنسان قد خلق من طين ثم نفخ فيه من الروح العلوي الذي امتاز به على سائر الخلق، فإنه في الواقع وجود كامل متكامل بوجوده الأرضي ووجوده الروحاني في نفس الوقت وهما كذلك وحدة لا تتجزأ . فإذا كان ذلك كذلك فحياة الإنسان الروحية لاتزال متصلة بحياته الدنيوية لا تنفصل إحداهما عن الأخرى. والإسلام لا يؤكد هذه الحقيقة فقط بل يقدم تعليمات شاملة لكل من الناحيتين. ولهذا يقول إقبال مخاطباً نفسه : بيِّن معنى الدين والسياسة مرة أخرى ووضِّح هذه الحقيقة للناس المنقادين للحق ويعني إقبال بكلمة السياسة هنا، وفي مقامات أخرى في هذه القصيدة، كل ما يقابل روحانية الإنسان من حياته الجسدية المادية وما اشتملت عليه من نظم واجتماع. فيقول إقبال في هذا البيت إن الوقت قد حان لبيان ما يشتمل عليه الإنسان من جانبه الروحي وجانبه المادي وإنه لا بد من إشباع الحاجات التي تنبع من ناحيته الروحية كما إن الإنسان يحتاج إلى تكميل حاجاته الجسدية. لقد دفعَنا حبُّنا لشعر إقبال وللغة الضاد إلى نقل بعض دواوينه إلى اللغة العربية. وقد رأينا أن قصيدة إقبال الطويلة " فما ذا نعمل بعد يا أقوام الشرق! " التي كتبها في آخر عهده بهذه الدنيا من أعمق القصائد في مغزاها ومفاهيمها، لأنها تشتمل على تصوير حال المسلمين وبيان الحل لمشاكلهم. ولما كانت هذه القصيدة الطويلة المكتوبة في قالب المثنوي توضح لنا ما تواجهه الأمة المسلمة من مشاكل وما تعانيه من مصائب وتبين لنا بعد ذلك الحل لهذه المشكلات وطريق الخلاص من تلك المصائب، وجدنا أنها من خير شعر إقبال الذي يشكل قمة عالية من قمم أفكاره الثمينة. ولم يكن نقلنا لهذا المثنوي أمراً سهلا هيناً، بل على العكس كان شاقاً مجهداً لأن مثنوي إقبال يشتمل على مفاهيم دقيقة ومعاني عميقة وأفكار عالية، وشعره عميق ومفعم بالرموز، كما يشتمل على تشبيهات بديعة وتلميحات عميقة في تاريخ العالم بوجه عام وفي تاريخ الاسلام على وجه الخصوص. فنظراً إلى هذه الأمور كلها آثرنا أن تجيئ ترجمتنا حرة متدفقة، نرجح فيها المفاهيم والمعاني على الألفاظ والمباني، فجل محاولتنا في هذه الترجمة أن تكون ناقلة لما يريد إقبال فيها من أفكار. ولكن مع ذلك حاولنا أن لا نبعد كل البعد عن تراكيب إقبال وتعبيراته عن المعاني فالتزمنا أن تكون الترجمة كذلك أقرب إلى التعبيرات التي اختارها الشاعر العظيم. وكان إقبال ناقداً بصيراً بالأمور نظر إليها فعرفها على وجهها. وقد تفرس إقبال الغرب وتبلورهم ورآهم على ما كانوا عليه من الجد والعمل وما يجد فيهم من الخواء في الجانب الروحي وما انحل بهم من فقدان الوجدان الروحي وشعور الأخلاقي من فساد كبير. ففكر في أسباب ضعف المسلمين ونظر إلى نهضة الغرب نهضة عظيمة وبحث في العوامل التي أدت إلى هذه النهضة. وقاد إقبال هذا الفكر العميق وهذا النظر الدقيق إلى فلسفة عظيمة خاصة له التي تدور على إحياء الإنسانية بأسرها على أن تكون المودة الإنسانية سائرة في الناس أجمعين حتى يمحي جميع الفروق وسائر الامتيازات القائمة على اختلاف الملل والنحل والأوطان. ولما كان للإسلام مزايا وخصائص لا توجد في غيره من الأديان والمذاهب والأنظمة الوضعية، من أن الإسلام دين كامل لا ينقصه أمر يحتاج إليه الإنسان، وشامل لجميع حاجات الإنسانية الروحية والجسدية، وأنه دين يراعي فطرة الإنسان ويهتم بنزعاته الطبيعية وميوله النفسية، وأنه قد دعا إلى الأخوة الإنسانية فيرى الإنسانية كلها كأسرة واحدة بدون أي تمييز بين إنسان وإنسان على أساس اللون والنسل والوطن، فيرى إقبال أن الإسلام هو النظام الوحيد الذي يكون سبباً لنجاة الإنسانية بأسرها فتنجو من الهلاك والدمار ومما أصابها من الفساد الخلقي والإنحلال والقتال والتطاحن في الحروب. ورأى إقبال إن من جملة الأسباب الكثيرة المتنوعة التي تسببت إلى ضعف المسلمين أن المسلمين فقدوا ذلك الحب العميق لله ولرسوله الذي تمكن في قلوب السلف الصالح مع الإيمان بالله ورسوله إيماناً كاملاً لا يعتريه شك ولا يشوبه ريب. فبالإيمان الخالص وبالحب العميق وصلت الأمة الإسلامية إلى ذروة الكمال وبلغت إلى قمة المجد والرفعة. وذلك لأن نشأة الأمم ورقيها إنما هي منوطة بالحب بمقاصد حياتها والعشق للأهداف التي تريد أن تحصلها. يقول شاعرنا العظيم: إنما تبقى الأمم بالحب والناس يسمون هذا الحب جنوناً لم يوجد تحت السماء الزرقاء قوم عملوا عملا كبيراً بدون الحب البالغ إلى حد الجنون ولما كانت الأمة الإسلامية هي الحاملة للواء الدين الإسلامي الذي يقدم الحلول المناسبة لجميع المشاكل التي تواجهها الإنسانية اليوم، فلها أن تقوم لقيادتها لتسير بها إلى الفوز والفلاح ولترشدها إلى الهدى والرشاد. ولكنه من الواجب حينئذ أن يهتم المسلمون بأمر دينهم اهتماماً بليغاً وذلك أن يفهموا هذا الدين فهماً عميقاً وأن يعملوا بجميع ما جاء به من الأوامر والأحكام وأن يربوا في قلوبهم الحب الخالص لله ولرسوله. لأن هذا الحب يكون لهم رصيداً كبيراً من القوة والحيوية والجد والنشاط في الحركة والعمل. والعصر الذي يعيش فيه المسلمون هو عصر المادية البحتة التي تغلبت على عقول الناس وأفكارهم حتى إنهم لوَّوا أعناقهم عن الجانب الروحي الذي ليس للإنسان بد إلا أن يراعيه ويهتم به أي اهتمام. ولذلك يقول إقبال في بداية هذا المثنوي: أعد جيوشا جديدة من ولاية الحب لأن الحرم في خطر من بغي العقل ولهذا المثنوي الذي نقوم بدراسته الآن قصة، نحب أن نحكيها ليتضح لنا مفاهيم هذا المثنوي وينجلي لنا الأغراض والمقاصد التي نظمه الشاعر لأجلها. قد افتتح إقبال هذا المثنوي في سنة 1911م. وذلك أن والده اقترح عليه أن يكتب قصيدة طويلة على طراز المثنوي الذي كتبه الصوفي الشهير بوعلي قلندر. فشرع إقبال في كتابة هذه المنظومة ولكنه لم يكملها في ذلك الوقت بل استغرق هذا المثنوي وقتاً طويلا. وقد حكي إقبال من جملة أسباب الكتابة لهذه المنظومة الطويلة أنه كان نائماً في ليلة من الليالي في الطابق الأعلى من بيته، واستيقظ بعد قليل ووجد في نفسه ميلا إلى نظم الأبيات، فنزل إلى الطابق السفلي وجلس أمام المصباح وكتب الأبيات التي أراد أن يكتبها. فلما فرغ ونهض ليذهب إلى الطابق الأعلى للإستراحة، رأى أنه قد دخل عليه شيخٌ كبيرُ السِنّ وجعل يقول في لهجة صارمة: " أعد خمسمائة رجل". وغاب ذلك الرجل من فوره واستغرب إقبال هذا الأمر وتعجب وخرج من بيته ليعرف عن أمر هذا الرجل فلم يجد له خبراً ولا أثراً. فرجع إلى بيته ونام، فلما استيقظ في صباح ذلك اليوم تحير في هذا الأمر وظن أنه رأى ذلك في منامه ولكن الأبيات التي كتبها في الطابق الأسفل كانت موضوعة في نفس المكان الذي كتبها فيه، وأثر القنديل الذي كتب في ضوئه كان لا يزال واضحاً في مكانه. فحدَّث إقبال بهذا الحادث والده فقال: " لو أنك لا تستطيع أن تعد خمسمائة رجل فمن الممكن أن تكتب قصيدة تشتمل على خمسمائة بيت وتحتوي على نصح وإرشاد ينفع الناس." فكتب إقبال هذا المثنوي الذي يشتمل على أكثر من خمسمائة بيت، وافتتح بالبيت الذي ذكرناه من قبل. والحق إن هذا المثنوي هو آخر ما قاله العلامة محمد إقبال لأنه طبع قبل وفاته بسنتين فقط. ولأجل ذلك يشتمل على أفكاره الناضجة فيى أواخر عمره فهو خلاصة ما انتهى إليه المفكر الإسلامي من فلسفته وآرائه. ترجمة هذا المثنوي أما ترجمة هذا المثنوي فالفضل في هذا العمل كله يرجع بعد فضل الله ومنه وكرمه إلى فضيلة الأستاذ الدكتور عارف كرخي أبو خضيري (أستاذ الأدب العربي في جامعة بروناي) فهو الذي اقترح عليّ أن أشارك معه في عمل الترجمة لهذا المثنوي. فقبلتُ هذا الإقتراح بجد وإخلاص فجعلت أترجم أجزاء من المثنوي وأشارك مع الأستاذ في البحث عن الكلمات ومعانيها وإن الدكتور الفاضل يحب إقبال ويجل أعماله، فاهتم بأمر الترجمة اهتماماً كبيراً وقام بمراجعة كل بيت من أبيات المثنوي، ولو لا اهتمامه بهذا المثنوي لما ظهرت ترجمته بهذه الصورة. ولكنني رأيت بعد ذلك أن إبلاغ ما قاله إقبال من الكلام الجزل البليغ الذي يحتوي على رموز وإشارات لطيفة، وعلى تلميحات إلى الوقائع والحوادث التي حدثت على مر الأيام والدهور في تاريخ المسلمين لا يتم إلا أن تشتمل الترجمة بشرح موجز وتوضيحات مفيدة. وبهذا الطريق يتمكن القارئ أن يفهم كلام هذا الفيلسوف الكبير والشاعر الإسلامي العظيم فهماً واضحاً. ولأجل ذلك أردت أن أشرح المثنوي شرحاً يتضح به ما تشتمل عليه هذا المثنوي من مفاهيم الإسلام وما تحتوي عليه من تاريخ المسلمين وتقهقرهم في هذا العصر وما هو العلاج لهذا التقهقر والزوال المحيط الشامل للمسلمين. والله ولي التو فيق ساجد الرحمن الصديقي حياة إقبال مولد إقبال والأسرة التي نشأ فيها ولد الفيلسوف العظيم والمفكر الإسلامي الكبير والشاعر العبقري العلامة الدكتور محمد إقبال في 9 نوفمبر سنة 1877م في أسرة كريم عريقة في التدين والاشتغال بالتصوف. وقد كانت هذه الأسرة متوطنة من قبل في كشمير ثم هاجرت وسكنت في مدينة سيالكوت، (باكستان حالياً) والمعروفة في هذه الأيام بمدينة إقبال. وكانت هذه العائلة جديدة عهد بالإسلام فقد دخل في الإسلام جد إقبال الكبير قبل أربعمائة سنة في عصرالملك أورنغ زيب عالمكير، (1) وكان قبل دخوله في الإسلام يعتنق ديانة الهنود، وكان من سلالة البراهمة التي كانت معروفة عند الهنود بمعرفتهم بديانة الهندوسية وإلمامهم بالفلسفة والأمور المتعلقة بما بعد الطبيعيات. ومعلوم أن المجتمع الهندي موزّع على طبقات عديدة يرأسها ويفوق علي سائرها البراهمة. فصادف أن قدر الله تعالى لجده الأكبر أن يدخل الإسلام قبل مائتي سنة، وكان من حسن الحظ أنه لقي أحداً من كبار الصوفية القادمين إلى كشمير فلما رأه تعجب من أخلاقه وشمائله ومما رأى فيه من روحانية عالية، لأنه كان برهمياً وفيلسوفاً في نفس الوقت وكان عنده شيء من المعرفة بحقائق الكون والحياة، فأسلم على يديه. فعُرف ذلك البيت منذ أن أسلم هذا الجد الأكبر بالصلاح والتصوف، وكانت العائلة ذات مكانة في كشمير، ولما كانت للهنود سيطرة كبيرة على هذه البلاد في ذلك الوقت ، عانت الأسرة معاناة شديدة من قبل الهنود، إلى أن اضطروا إلى الهجرة، واستقروا في سيالكوت. واتفق أن دخل في كشمير أحد من الصوفية الكبار، وزار الجد الأعلى لإقبال ودعاه إلى الإسلام‘ فقبل الإسلام وقبل معه جميع أفرادأسرته. وكان دخولهم في الإسلام لم يكن دخولا شكلياً بل اختارت هذه الأسرة الكريمة الدين الإسلامي بكل شوق وميل كبير، فتمكنت في قلوبهم الحب لهذا الدين والحماسة البالغة بالالتزام بشعائر الإسلام والاشتغال الكبير بطرق الصوفية. حتى إنه قد روي أن أحداً من أجداده كان يحج كل سنة ماشياً ولذلك اشتهر باسم " محب الحج". وكان والد إقبال- الشيخ رفيق أحمد- رجلا متديناً وصوفياً زاهداً وورعاً تقياً خاشعاً لله، يصرف جل أوقاته في التعبد وتلاوة القرآن وما تعاهد عليه من الأوراد. وكان رجلا زاهداً - - - - - - - - 1- أورنغ زيب عالمكير ( 1618- 1707م ) أمبراطور مغولي، ابن شاهجهان، سادس أباطرة مغول الهند المعروفين بالعظماء وآخرهم. بلغت الإمبراطورية في عهده أقصى اتساعها وضعفت الدولة بوفاته واستولى الطامعون على أقسام من ممتلكاتها. - يتهجد في الليل، ويسبح الله ويحمده جل أوقاته، وكان دأبه في ذلك حسب ما قاله بعض الصوفية: " يدٌ عاملة وقلبٌ ذاكر" فيدوم ذكره في أوقات عمله وهو يكتسب رزقه بعمل يده. وإنه لم يتعلم تعليماً رسمياً في المدارس والمعاهد ولكنه كان يلازم مجالسة العلماء ويداوم المصاحبة مع أهل التصوف، فحصل له من هذا الطريق علم كثير، فكان يستطيع أن يقرأ الكتب الفارسية، وكان يجل محي الدين ابن عربي(1) وجلال الدين الرومي (2) إجلالاً كبيراً ، ويشتغل كثيراً بالنظر في المثنوي المعنوي والفتوحات المكية وفصوص الحكم. وإنه قد تعرف إقبال منذ عنفوان شبابه بابن عربي والرومي وتلقى من والده كثيراً من مباحث التصوف وهو لم يزل في بداية شبابه. ومما يحكي إقبال من الحكاية التي تدل على نورانية والده وصفاء باطنه، وإقبال لم يزل في عنفوان شبابه، أنه كان نائماً في ليلة من الليالي، فلما استيقظ من نومه كان الليل في منتصفه، ورأى أمه تصعد إلى الطابق الأعلى من البيت، فلم يتمالك إقبال نفسه فتبعها، فرأى والده جالساً على سجادته وهالة من النور تحيط به من كل جانب. ولما رأته أمه أمسكت بيده وقادته إلى مضجعه ونصحته بالنوم. فلما طلع الفجر لقي إقبال أباه وسأله عما حدث في الليل فحدثه أبوه بأن قافلة من الناس جاءت من بعيد ونزلت في قرية قريبة من البلدة، وفيهم مريض شديد المرض لا يرجون شفاءه، وإننا سنذهب الآن إليهم لنرى ما بهم من الأمر. وروى إقبال ما جرى فقال: لما وصلنا إلى ذلك المكان وجدنا أن القافلة نزلت، وفيهم مريض لا يرجى شفاؤه، فأخذ والدي شيئاً من التراب وجعل يمسح على جسم المريض وجعل يقول شفاه الله. ثم رجعنا وسمعنا بعد أيام قلائل أن أهل القافلة وردوا في المدينة، وأن مريضهم قد شفي من مرضه. ثم جاء نفرٌ من هؤلاء الناس لزيارة والدي وقدّموا إليه مالا كثيراً، ولكنه لم يقبل منهم شيئا. - - - - - - - - - - 1- محمد بن علي الملقب بمحي الدين والشهير بابن عربي ولد بالأندلس سنة 560 من الهجرة وتوفي سنة 638 من الهجرة. شيخ الصوفية الأكبرله مؤلفات كثيرة في التصوف من أهمها الفتوحات المكية. وفصوص الحكم. وكتبه تنحو إلى الفلسفة فهو من فلاسفة الصوفية وكان مذهبه وحدة الوجود الذي يقول: أن الحقيقة الوجودية واحدة في جوهرها وذاتها متكثرة بأسمائها وصفاتها ولا تعدد فيها إلا بالاعتبارات والنسب والإضافات. - 2- محمد بن محمد جلال الدين الرومي ( 1207-1273م.) وقد كان الرومي قبل ميله إلى التصوف مدرساً للعلوم الدينية إلى أن التقى بالصوفي شمس الدين التبريزي فتأثر به وانقطع إلى الحياة الصوفية. وشعره أدب صوفي كامل. ألف " المثنوي المعنوي" في ستة دفاتر، وكتب"ديوان شمس تبريز" ويشتمل على غزليات صوفية. وله مؤلفات أخرى. ويحدّث إقبال أن والده كان كثير الذكر لا يكاد يفتر لسانه عن ذكر الله. وحدث أنه كان جالساً في يوم من الأيام يذكر الله وقال أثناء ذكره: ’مضت مدة طويلة والإنسان بعيد عن الله، فلم يذكره‘. وبعد أن صدر من فمه هذا الكلام تأثر من كلامه تأثراً كبيراً، وصار في حال من الغيبوبة التي يبدو بها كأنه مريض، ولم يصْحُ من هذه الحال حتى انقضى النهار وأقبل الليل. وكان والد إقبال يحب تلاوة القرآن وكثيراً ما يتلوه بضراعة وخشوع. وكان ينصح إقبال فيقول:’ إقرأ القرآن الكريم في ضراعة وخشوع كأنه ينزل الآن مع تفكير عميق في المعاني، ومع نية كاملة بالعمل على ما يرشد إليه.‘ وكانت والدة إقبال تقية ورعة كذلك. وكانت تصرف ما تجده من القليل من المال على الفقراء وذوي الحاجات. وكانت تتأسى بأسوة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فتتفقد في بيوتات الفقراء بناتهن اللاتي لا تجدن من الرزق كفافاً فتأخذ بعضاً منهن في حجرها، وتربّيهم تربية دينية صالحة ثم تقوم بأمر زواجهن وتعامل معهن معاملتها مع بناتها، حتى إن هذه البنات تأتي إليها بعد زواجهن لزيارتها كما تقوم البنات بزيارة الأمهات. وكانت والدة إقبال تقية ورعة لا تأكل شيئا، ولاتريد أن يأكل منه أحد من أهل بيتها، وذلك لأنها كانت تجد في نفسها أن ذلك الشيء ربما لايكون حصوله من الكسب الحلال. وكان والد إقبال يعمل بيده، فاختار لنفسه في بعض الأيام مهنة خياطة البرانس التي كانت تستعملها النساء لتغطية رؤوسهن. وقد اتفق أن والد إقبال جعل يجلس لهذا العمل في دكان لأحد من أصحاب المناصب في المدينة. فكانت هذه المرأة التقية لا تهيئ الطعام من هذا الكسب، ظنّاً منها أنه من الممكن أن ما يكتسبه صاحب ذلك المنصب لم يكن حلالا طيباً لأجل ما كان يمارس أصحاب المناصب من الأعمال التي لا تليق بالرجل المسلم. هذه هي البيئة التي نشأ فيها إقبال. وقد تركت هذه البيئة الإسلامية العريقة في شخصيته أثراً عظيماً، لم يضعف مع مر الليالي وكر الأيام، حتى قال إقبال: ’ إنه لم يترك عادة الاستيقاظ وقت السحر حتى في بلاد الغرب.‘ فالأسرة كانت مؤمنة حق الإيمان وكانت تغلب عليها مخافة الله في السر والعلن. والأبوان الشفيقان يحبان أن يكون إقبال أميناً للتراث الديني الذي كانت الأسرة تحمله. ولا شك أن إقبال تأثر بأمه الحنون الشفيقة ولم يزل طول حياته يذكرها ويذكر تربيتها له تربية دينية قويمة. ويظهر هذا كله بوضوح في القصيدة التي قالها إقبال بعد أن رحلت تلك المرأة المؤمنة إلى جوار ربها. وكانت أم إقبال عطوفة عليه حنونة به، لا تفتأ تغمض عينيها عن تربية ولدها الصغير تربية صالحة. وكان إقبال يعترف دائماً بهذه التربية الحسنة التي قامت بها أمه، وكان يبكي عليها بعد وفاتها بكاءاً كبكاء الولد الصغير على فقد أمه. وقد نظم إقبال قصيدة طويلة بعد وفاة والدته فيثني عليها ثناءً جميلا ويرثي لها رثاءً محزناً، فيقول: إن البذر الذي زرعتِ في حقل وجودنا وذاتنا قد قوي ذلك الحب بازدواج الحزن والألم والحب عند إقبال هو حب الله ورسوله. فيقول: يا أماه! قد بذرتِ بذور الحب لله ورسوله في نفسي وزرعتهاِ في قلبي، وقد استقر ذلك الحب في قلبي وقوي بعد اتصاله ولحوقه بالحزن الذي وجدتُه في قلبي بعد فراقكِِ. تعليمه الرسمي وتثقفه وقد كان من حسن حظ إقبال أن عالماً كبيراً مثقفاً في اللغة العربية والفارسية المسمى بمير حسن (1) والملقب بشمس العلماء كان أستاذاً في مدينة سيالكوت في إحدى المدارس الرسمية. وكان بينه وبين والد إقبال علاقات ودية وثيقة. فالتحق إقبال بهذا الأستاذ الكبير مير حسن وتتلمذ عليه وتعلم منه اللغتين العربية والفارسية واستفاد منه في المعارف الدينية الكثيرة واستقى من بحره العميق الذي جعل إقبال متعمقاً في العلوم الدينية ومتمكناً في الطرق الصوفية. وكان السيد مير حسن مع غزارة علمه زاهداً ورعاً تقياً حافظاً للقرآن كثير التلاوة له ويحفظ كثيراً من الأشعار العربية والفارسية ويردّدها أمام تلاميذه ويوضحها توضيحاً عميقاً لتستقر مفاهيمها في أذهان الطلاب. وكان يهتم بالعمل بالأحكام الشرعية أيما اهتمام ويلتزم بالأسوة الحسنة في جميع الأمور، لأنه لم يكن العلم منفصلاً من العمل في ذلك الزمان، بل كلما ازداد لأحد من المسلمين علمُه، زاد معه تقواه بل ربما يكون التقوى هو الزاد الوحيد في المسير في سبيل العلم. وعلامة - - - - - - - - - - - 1- شمس العلماء ملا مير حسن (1844-1929م) كان معلماً بمدرسة مسيحية بمدينة سيالكوت. وكان عالماً متقناً في علوم الرياضيات والسياسيات، وكان يجيد اللغتين العربية والفارسية. ذلك إن السيد مير حسن بقي مدرساً في المدرسة التي التحق به في أثناء شبابه ولم يزل كذلك يدرّس في تلك المدرسة حتى التحق بجوار رحمة ربه. ولم يفكر يوماً من الأيام في ازدياد راتبه ولم يحاول قط أن يبحث عن منصب أو مقام يليق بمكانته العلمية. وكان من عادة السيد مير حسن أنه كان يستيقظ مبكراً فيتهجد ثم يقرأ ماكان يقرأ من الأوراد إلى صلاة الفجر، وبعد صلى الفجر يخرج من المسجد ويذهب إلى القبور ليدعو لأهلها ويسلم عليهم. وعند ما يرجع من القبور يحضر إليه بعض من تلاميذه فيشرع في تعليمهم منذ ذلك الوقت ويجري هذا التدريس اليوم كله إلى وقت العشاء. وإذا كان الأستاذ في هذه المكانة الرفيعة من العلم والأخلاق والشيم، فليس من البعيد أن يكون له تلاميذ ذوو مكانة رفيعة في العلم والأخلاق الفاضلة. وكان إقبال يعترف دائماً بفضل أستاذه ويعظمه لما منّ عليه بتعليمه إياه. وإقبال لا يزال يذكر أستاذه هذا حتى إنه لما رحل إلى إنكلترا، ووقف أثناء مسيره في دلهي وزار ضريح العارف الكبير الشيخ نظام الدين محبوب إلهي،(1) قال في هذه المناسبة بعضاً من الأبيات، وهو يدعو الله في ضراعة وخشوع ببقاء حياة أستاذه حتى يستطيع أن يزوره حينما يرجع إلى وطنه: ذلك الشمع المنور من نور المرتضى ليبقى بيتُه مكرماً عندي مثل الحرم قد تفتحت زهرةُ أُمنيتي من نفَسه إنه الذي جعلني بصيراً بالأمور عارفاً فأدعوا الله خالقَ الأرض والسماء أن يجعلني مشرّفاً بزيارته حينما أعود ولما أرادت الحكومة الإنجليزية أن تعطي إقبالا خطاب "سير" فرفض إقبال وطلب من الحكومة أن تمنح أستاذه قبل منحه إياه. ولما سئل عن مؤلفات أستاذه، أجاب: " إن الكتاب الحي الذي كتبه أستاذي هو أنا ". فرضيت الحكومة ومنحت السيد مير حسن بخطاب " شمس العلماء". - - - - - - - - 1- محبوب إلهي، الشيخ نظام الدين الأولياء (1238-1325هج) صوفي هندي جشتي كبير، تلميذ فريد الدين جشتي. قيره مزار كبير في غياث بور قرب دهليز من كتبه: فوائد الفوائد و راحة المحبين. وبعد فراغه من تعليمه في مدينة سيالكوت رحل إقبال إلى مدينة لاهور وتخرج من الكلية الحكومية وحصل على شهادة الماجستير في الفلسفة سنة 1899م. ومن حسن الحظ أن إقبال وجد في مدينة لا هور أستاذاً جديداً تماثل مكانته العلمية مكانة الأستاذ مير حسن في هذه المرحلة الجديدة من حياة إقبال. وهو الأستاذ الشهير سير طامس آرنولد (2) الذي كان رئيساً للكلية الحكومية بلاهور، وهو الذي كان أستاذاً من قبل في جامعة عليكده، ورافق في تلك الجامعة العالم الكبير الشبلي النعماني،(2) وكان من أثر الطيب لهذه المرافقة أن السير طامس آرنولد ( Sir Thomas Arnold) وجد في نفسه ميلا كبيراً إلى العلوم الشرقية فقرأها قرأة جادة، حتى إنه كتب مؤلفا باسم " الدعوة الإسلامية"( The Preaching of Islam) . وإذا كان الأستاذ مير حسن فتح على إقبال باب العلوم الشرقية فإن الأستاذ طامس آرنولد فتح عليه باب العلوم الغربية. وقد تأثر إقبال من شخصية آرنولد ومن غزارة علمه تأثراً كبيراً حتى إنه لما فارق آرنولد بلاد الهند وسافر إلى إنكلترا سنة 1904م. أحس إقبال بقلق كبير على فراقه وحزن له حزناً شديداً. ونظم قصيدة سّماها: " ألم الفراق". ثم ارتحل إقبال إثر أستاذه إلى لندن في سنة 1905م. ونال شهادة في الحقوق وحصل على شهادة الدكتوراة من جامعة ميونخ ألمانيا ( Munich Germany ) في الفلسفة وكتب مقالته بعنوان: " تطور الميتافيزيقيا في إيران." ( The Development of Metaphysics in Iran ) وقد استفاد إقبال في الغرب من العلماء الكبار والفلاسفة العظام والأساتذة الكبار أمثال نكلسن (A.R. Nicholson)(3) وبراؤن (4) (A.G. Brown)وغيرهما كما حصلت له الفرصة - - - - - - - - - - - 1-سير طامس آرنولد كان عالماً غربياً الذي صنف كتاباً في الدعوة الإسلامية The Preaching of Islam وإنه قد عيّن أستاذاً بالكلية الحكومية بلاهور سنة 1898م. - 2- شبلي النعماني (1857-1914م) كان عالما فاضلا له مؤلفات قيمة عديدة غير السيرة النبوية. - 3- إن نكلسن عالماً من علماء الغرب الذي صنف كتابه الشهير في آداب اللغة العربية ونقل إلى الغة الإنجليزية ديوان شمس التبريزي. وإنه ترجم أسرار خودي لإقبال. - 4- إيدورد براون (1862-1926) مستشرق إنجليزي من جامعة كمبردج له تاريخ الآداب في فارس. بلقاء الفلسفي الكبير ميك تيجارت الذي كان يتتبع هيجل (Hegel 1770-1830) (1) في آرائه الفلسفية. اشتغاله في العمل بعد رجوعه من انكلترا وقد عُين إقبال أستاذاً في بعض الكليات بلاهور قبل ذهابه إلى انجلترا. و اشتغل بعد رجوعه من بلاد الغرب في مهنة المحاماة، ولكنه مع ذلك كان يلقي المحاضرات في الفلسفة في الكلية الحكومية كأستاذ زائر. وكان يحب أن يبقى حراً طليقاً فلأجل ذلك رجح مهنة المحاماة على عمل التدريس، لأنه كان لا يحب أن يكون في وظيفة تسلب حريته وتعوقه عن التعبير عن أفكاره بحرية. قال: حذار أن يكون رزقك في يد أحد من الناس حذار أن يكون المرء في خدمة أحد من الناس وقال أيضا: أيها الطائر اللاهوتي! الموت أحسن من ذلك الرزق الذي يعوق عن الطيران ولما كان في طبعه البعد عن الدنيا ومتاعها ولما كان من إشتغاله في التصنيف والتأليف، لم يجد إقبال وقتاً لمزاولة العمل وكان يشتغل في المحاماة قليلا من الوقت، ولذلك كان دخْله قليلا، ولكنه كان يعيش هادئاً هانئاً، يتوكل على الله ويقنع بما يجده من الرزق. ولما مرض في آخر أيامه، وكان مرضه شديداً متصلا، قرر نواب بهوفال له خمسمائة روبية شهرياً كعطية خاصة له. واكتفى بذلك ولم يقبل بعد ذلك من أحد شيئاً حتى إن رئيس وزراء حيدرآباد الدكن أرسل إليه ألف روبية، فردها إقبال على الفور، ونظم أبياتاً في ذلك وأرسلها إلى رئيس الوزراء: - - - - - - - - - - 0 0 - 1- هيجل ( 1770-1830) أحد من فلاسفة الغرب الشهير. و قد أعطى الله هذا القلندر سطوة السلطان لأن في طبعه أوصاف الملوك وقال لي خذ وكن ملكا واعط الآني والفاني ثباتا من حسن تصرفك أما أنا فسوف أحمل هذه الأمانة على رأسي لأن الدرويش يشرب المر فيحلو له ولكن غيرة فقري لم تسطع قبوله لقوله إن هذه زكاة سلطاني أخلاقه وعاداته كان إقبال وسيماً جميلا ويرى كأنه طويل ولم يكن بالطويل بل كان معتدلَ الجسم يميل إلى السمنة، وعيناه تظهران للناظر كأنهما ضيقتان وليستا بضيقتين ولكنه تعوّد أن يُغمضهما كثيراً لكثرة الإشتغال في التفكير، فهما في الحقيقة تعبران دائماً عن التفكير العميق. وكان رجلا ساذجاً بعيداً عن التصنع والرياء، يعبر عن نفسه في كل ما يبدو له وهو صادق في قوله، لا يكذب ولايحب أن يكذب أحد أمامه. وكان يحب تقاليد المشرق وآدابها ويلتزم بها، ولا يحب أن يتبع أمراً من حياة الغرب. قال: إنني ألقيت في نار الغرب ولكنني خرجت منها سليماً مثل إبراهيم وكان بعيداً بعد المشرقين عن جميع مظاهر التكلف. وكان جميع ما يتعلق به من الأسباب في البيت من اللباس والمجلس الذي يجلس فيه خالياً عن كل شيء يرى فيه التصنع أو الإدعاء. فيلبس اللباس الذي كان يلبسه المسلمون في ذلك الوقت ويلبس الطاقية الرومية وفي بعض الأحيان يلبس العمامة. والغرفة التي كان يجلس فيها كانت توضع بجوانبها الكراسي قرب الجدار, فيجلس هو على الفراش، كما كانت عادته، وإذا زاره أحد فيفضل أن يجلسه على الفراش تكريماً له. وكان إقبال كريم النفس، جميل السجايا، حسن الأخلاق، يحب الناس ويكرمهم، ويحترم كل واحد منهم دون النظر إلى مكانته في المجتمع، فيساوي في المعاملة بين الناس. وكان رجلا محبباً بين الناس، فيفدون إليه وحداناً وزرافات، ويقومون بزيارته في بكور النهار والآصال. وكان يتكلم في حاجاته اليومية باللغة البنجابية، لغته الأم، وإذا جاء أحد من المثقفين جعل يتكلم باللغة الأردية. وكان يجيد اللغة العربية والفارسية والألمانية . فكان لا يلتزم بلغة واحدة ويتحول سريعاً من لغة إلى أخرى كلما ظهرت له الحاجة إلى ذلك. والوافدون إليه كانوا ينتمون غالباً بجماعات شتى من المثقفين وغير المثقفين من كبار القوم وعامتهم. فأحياناً يفد إليه عالم ذو خبرة واسعة وإطلاع كبير، فيتكلم معه إقبال في الإنجليزية أو العربية ويتحدث بأطراف من العلوم ويطرق جوانب عديدة من المعارف. وربما كان يدخل عليه بعد قليلٍ شاعرٌ من شعراء البلاد، فيتحدث معه فيما يتعلق بقرض الشعر وحسنه وبراعته. ثم يأتي بعده من يكون له إلمام بالموسيقى فيتحدث معه عن الموسيقى وعما يتعلق بها من الأمور، وهكذا . قرضه للشعر كان إقبال لايعالج قرض الشعر ولا يقصد إليه قصداً، إنما كان ينزل عليه، فيجد في نفسه ميلا إلى الخلوة بنفسه، ويستغرق في التفكير ويرى منه أنه غفل عن كل شيء حوله. فينظم شعره ويكون في أكثر الأحيان نظماً كاملا أو قصيدة تامة، وإذا لم تتم القصيدة وانقطعت عنه تلك الحالة التي يقول فيها الشعر، يقف حتى يمر بتلك الحالة مرة ثانية فينظم في الفكرة التي تركها في المرحلة الأولى. وسأله أحد الانجليز : هل تؤمن بأن القرآن نزل لفظاً ومعنى؛ فأجاب إقبال وكيف لا أؤمن بذلك إذا كانت الأشعار تنزل عليَّ مرتبة مجتمعة، فأنا لا أحتاج إلى أي دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نزل عليه الوحي من الله بلفظه ومعناه.‘ وقد سئل إقبال مرة : ’كم مدة تمضي عليك حتى تكون في هذه الحالة الشبيهة بالإلهام التي تنظم فيها الشعر؟‘ فأجاب إقبال إن هذه الحالة لا تطرأ علىَّ كثيراً بل أحياناً تمضي سنة كاملة ثم تصادفني هذه الحالة، ولكن كلما طالت عليَّ الأيام تمتد هذه الحالة عليَّ بقدرها وتنزل علي الأشعار بكثرة كثيرة، من الممكن أن أمثلها بالشبكة التي يلقيها الصائد لصيد الأسماك فتدخل فيها الأسماك الكثيرة، فيتعجب من كثرتها الصائد ويتحير ما يأخذ منها؟ وما يدع؟ وهل يأخذها جميعها أو يأخذ بعضها ويترك البعض الآخر. إشتغاله بسياسة المسلمين في الهند قلّما يوجد في العالم فيلسوف وشاعر يفكر ويزيد في رصيد الأمة أفكاراً جديدة عالية، ثم هو يقوم ويجتهد بنفسه ليَمنح أفكاره صورة عملية حيوية. وهذا هو إقبال الذي فكر في إحياء الأمة الإسلامية من سباتها العميق وإعطائها أفكاراً ذات قوة وحيوية ثم إنه حاول واجتهد في تحقيق تلك الأمنيات التي يريدها لها. وفي الحقيقة لم يكن إقبال شاعراً مثل الشعراء العاديين ولم يكن فيلسوفاً كالفلاسفة الذين لا يدركون من الحقائق العملية السارية في حياة الناس فيكون شعرهم مجرد خيال وتكون فلسفتهم لا صلة لها بحياة الناس الذين يعيشون بينهم. كان إقبال رجلا عملياً ذا حيوية وذا قوة كبيرة وقد جرب الحياة واكتشف حقيقتها فعرف الجانب الروحي من الإنسان كما عرف جانبه المادي، ودخل في حياة الغرب ووجد ما فيها من الخير القليل الذي افتتن به الناس وما فيها من الشر العظيم الذي لم يتنبهوا إليه. وكانت دراسة إقبال للدين الإسلامي دراسة شاملة، وفهم هذا الدين من منابعه الأصلية- القرآن والسنة- ونظر إلى تاريخ المسلمين في جميع البلاد الإسلامية. وفكر في أسباب زوال الأمة فقام لعلاجها، واتجه إلى الشعر لتحقيق ذلك. وذلك أن الشعر أوقع في النفوس من النثر، لأن القلوب تهتز له وتشعر بنفس المشاعر التي شعر بها الشاعر. والأفكار تحتاج في النثر إلى كلام طويل وجهود مضنية بينما الشعر يلقي في أفئدة الناس الأفكار العالية بسرعة ويلتفت إليها الناس ويشعرون بهذا الكلام المنظوم كأنه تعبير صادق لما يجدونه في أنفسهم وفي لفظ جميل أنيق. ولم يزل إقبال يفكر في إحياء الأمة المسلمة وسبيل إحيائها. وكان لا يزال يعمل لصالح الأمة ويدعو إلى اتحاد الشرقيين عامة واتحاد المسلمين خاصة. ورأى أن بقاء المسلمين في الهند وحياتهم في معرض خطر هائل، ولم يبق لهم من الأمر شيء إلا أن يجتهدوا لإحياء حياتهم الدينية حتى يكون الدين قوة غالبة في حياتهم ويزداد شعورهم بأنهم مسلمون وأن عندهم دين شامل يشتمل على جميع جوانب الحياة ويوجد فيه حل لجميع المشاكل التي تعاني منها الأمة المسلمة في هذا العصر. فلا بد للمسلمين من إحياء وجودهم ( الخودي) من جديد لكي يحصلوا على ما فاتهم من المجد والعلا. وكان إقبال يرى أن المسلمين في الهند ليس لهم بقاء ولاحياة بدون أن يجتهدوا للحصول علىدولة مستقلة في شبه القارة الهندية، لأنهم إذا بقوا في هذه الحال مع إن عددهم قليل جداً بالنسبة إلى عدد الهنود من السكان فسرعان ما يذوبون في حياتهم ويخسرون بعد قليل ما كان عندهم من الثقافة والتمدن وأساليب الحياة المستمدة من الدين الإسلامي. فاشتغل إقبال دهراً طويلا من الزمان بالسياسة العملية لتحقيق أمله هذا. وأعلن في مجلس ’ الجامعة الإسلامية ‘ (Muslim League) بإله آباد سنة 1930م وهو يرأس هذا المجلس: " إن التمدن الإسلامي في هذه البلاد لا يبقى حياً إذا لم يكن للمسلمين قطعة من الأرض خاصة بهم. وفي الحقيقة هذه هي أمنية المسلمين التي يريدون تحقيقها. لأن أرباب السياسة من الهنود إنما يفكرون في وحدة البلاد لأجل أن تكون لهم سيطرة عامة بدون أي تدخل من المسلمين. أما أنا فأريد أن تظهر دولة جديدة تشتمل على البنجاب وسرحد والسند وبلوجستان. سواء كانت هذه الدولة في إطار سلطة بريطانية أم مستقلة حرة. وأنا لا أشك أن المسلمين سوف يضطرون إلى إنشاء دولة جديدة في المناطق التي تقع في شمال غربي الهند. " وخطاب إقبال هذا هو الذي وضع الحجر الأساسي لتأسيس دولة باكستان، ولذلك لقب إقبال بالأردية ’ بمصور باكستان ‘ أي أول من خطط حدود البلاد وفكر في تأسيسها. لم يكن إشتغال إقبال في السياسة محلياً فقط، بل كان فكره يحيط بالعالم الإسلامي كله، وهو في الحقيقة يميل إلى اتحاد العالم الإسلامي وكان يعمل لهذا الغرض. وكان مؤيداً لبقاء الخلافة في تركيا وحزن حزنا شديداً لسقوطها، وشارك في العمل السياسي لأجل بقائها وشارك في المؤتمرات الدولية وأعلن عن موقفه فيها. وقد اشترك إقبال في مؤتمر العالم الإسلامي المنعقد في فلسطين سنة 1931م. وقد قال إقبال في فلسطين: لوسلمنا بحق اليهود في فلسطين فما المانع من التسليم بحق العرب في إسبانيا إن إقبال هو الذي أوضح لأول مرة، أن العرب وقعوا في شبكة الغرب، وأنه ليس لهم نجاة منها إلا بالجهاد و لكفاح للحصول على حقوقهم، وإن الغرب لا يتعاون معهم في الحصول على حقوقهم، لأن الغرب كله واقع تحت سيطرة اليهود. فيقول مخاطباً المسلمين عامة والعرب على وجه الخصوص: لا تجد دواء مرضك عند الغرب لا في جينيوا ولا في لندن لأن روح الغرب إنما هي في قبضة اليهود وقد سمعت أن حرية الأقوام إنما هي في أن تنمو ذاتهم وظهرت قوتهم مرضه و وفاته وقد اشتكى إقبال في آخر عمره بأمراض عديدة، وكانت الشكوى الأولى له قبل موته بأربع سنوات ، وكان مرضه في أول الأمر بسيطاً ثم تعقّد، وكان قد مرض بالسعال والزكام واشتد المرض إلى حد أنه كان لا يستطيع الكلام وفقد صوته. وذلك ما اشتكى به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في توسّله إليه، كما يبدو من القسم الأخير الملحق بهذه المنظومة "فما ذا نعمل بعد" وذلك أنه رأى في منامه السيد أحمد خان الذي أشار عليه أن ينظم قصيدة في مديح الرسول صلى الله عليه وسلم ويرجو الشفاء بوسيلته كما فعله البوصيري. فنظم إقبال ’ عرض في جناب الرسول صلى الله عليه وسلم.‘ انتقل إقبال إلى رحمة ربه وقت صلاة الفجر في 21 إبريل سنة 1938م. وقد قال قبل موته بثوان: ليت شعري! هل تعود النغمة التي مضت أو لا تعود؟ وهل يأتي مرة أخرى ذلك العبير من أرض الحجاز أو لا يأتي؟ قد انتهت أيام هذا الفقير فياليت شعري هل يأتي أحد يعرف الأسرار أو لا يأتي؟ مؤلفات إقبال لم يكن إقبال شاعراً عظيماً فحسب بل كان مفكراً إسلامياً كبيراً أيضا، وكان ذا إطلاع واسع على العلوم الإسلامية كما كان ذا معرفة كبيرة بالقرآن والسنة وفهم عميق لما ورد فيهما من الحِكَم والأحكام، وإلى جانب ذلك كان ذا إطلاع على العلوم الغربية وكان ذا خبرة واسعة بتاريخ الغرب وما تطور فيه من أفكار وما صدر من عباقرته من آراء. وكان يجيد الألمانية والإنجليزية. وكان أديباً بارعاً متفنناً في الإنجليزية حتى إنه لما نقل نكلسن ( Nicholson ) كتابه : ’أسرار الذات ورموزها ‘ إلى اللغة الإنجليزية كتب إقبال ملاحظات كثيرة قيمة على ترجمته وقام البروفسور نكلسن بتصحيح ما كتبه علي ضوء تلك الملاحظات. وكان إقبال يحب العلم حباً جماً وكان يحب نشره بين الناس فكان أكبر همه منذ بداية حياته القراءة والكتابة، فألف كتباً عظيمةً جداً في شتى فنون العلم كما نظم أفكاره في دواوين عديدة. ونحن نرى من الخير أن نذكر هنا بعض ما ألفه إقبال من كتب مع بيان إجمالي يتناسب مع موضوع هذا الكتاب. أ- مؤلفاته النثرية 1- علم الإقتصاد ( باللغة الأردية) هذا أول كتاب ألفه إقبال في حياته، فقد طبع هذا الكتاب سنة 1903م. فبعد حصوله على الماجستير سنة 1899م. عين إقبال أستاذاً في الكلية الحكومية بلاهور. وقد أشار على إقبال أستاذه آرنولد بتصنيف كتاب في علم الاقتصاد، فصنف إقبال مؤلفاً قيّماً لم يكتب أحدٌ قبلَه مثلَه، وذلك لأنه جمع فيه أهم ما قيل في الشرق والغرب في هذا الموضوع وأوضح مدى تأثر علم الاقتصاد بعلم السياسة. وأشار إلى أصول هامة تحتاج إليها الهند في ذلك الزمان وإلى بناء إقتصاد جديد لها وإلى تنظيم أمور يصلح بها إقتصاد الهند. وقد كتب إقبال إلى أحد أصدقائه : ’ إن هذا أول كتاب ألف في الموضوع في اللغة الأردية‘. وكتب لهذا الكتاب مقدمة أظهر فيها أهمية علم الإقتصاد وبيّن أن المسلمين في حاجة إلى دراسة هذالموضوع. 2- فلسفة العجم ( باللغة الإنجليزية) هذا الكتاب في الحقيقة بحث عظيم في موضوعه نال عليه إقبال درجة الدكتوراه من جامعة ميونيخ بألمانيا في سنة 1907م. وكان إقبال يحب التصوف كثيراً ويرغب فيه رغبةً طبيعيةً وذلك لأن والده كان يحب التصوف ويميل إليه وإقبال تتلمذ في التصوف عليه، ومع هذا كان إقبال يميل إلى الفلسفة ميلا كبيراً. فلما وصل إلى انجلترا اختار لأطروحته في الدكتوراه موضوعاً يتعلق بالفلسفة والتصوف معاً، فاختار: ’ فلسفة ما بعد الطبيعة وتطورها في إيران‘ وطبع هذا البحث في اللغة الإنجليزية باسم The Development of Metaphysics in Iran ’ تطور الميتا فزيقيا في إيران ‘ في لندن سنة 1908م. ونقل هذا البحث إلى الأردية ونشر سنة 1936م. 3- التشكيل الجديد للفكر الديني في الإسلام ( باللغة الإنجليزية ) هذا الكتاب مجموعة سبعة خطب التي ألقاها إقبال في بعض المدن الكبرى في الهند، وطبع هذا الكتاب لأول مرة في لندن سنة 1934م. وهي مهمة جداً لأنها تشرح فكر إقبال حول الإسلام والمسلمين، وكان إقبال قد عبر عن رأيه في هذا التأليف فقال: ’ لو ظهر هذا التأليف في زمن المأمون لكان سبباً إلى إحداث ثورة عظيمة.‘ وقد ظهرت شخصية إقبال في هذا التأليف في صورة مفكر جديد يريد أن يقدم الإسلام في شكل جديد من الفلسفة والحكمة حتى لا يبقى بعد ذلك بون بعيد بين الدين والشريعة وبين العلم والفلسفة الجديدة. فاستدل في هذا الكتاب على أنه لا بد للإنسان عقلياً من أن يعتقد في الدين الإسلامي. وهذه الخطب تحتوي على موضوعات تالية: 1- المعرفة والتجربة الروحية 2- الإعتبار الفلسفي لإكتشافات التجربة الروحية 3- تصور الخالق والدعاء 4- النفس الإنسانية ومسألة الجبر والإختيار 5- روح الثقافة الإسلامية 6- أصول الحركة في البناء الإسلامي 7- إمكان حقيقة الروح الوجداني ب-دواوينه الشعرية 1- مثنوي أسرار الذات ( باللغة الفارسية ) ذكر إقبال الأسباب وراء تاليفه لهذا المثنوي في رسالة له في 7 يوليو سنة 1911م أرسلها إلى عطية فيضي فقال إن والده أمره أن يكتب منظومة طويلة على طراز بوعلي قلندر. (1) وذكر أيضا أنه ابتدأ هذا المثنوي في أول أمره باللغة الأردية ولكنه لم يستطع أن يعبر عن ما يدور في خلده من الأفكار والمعاني ولذلك تحول إلى اللغة الفارسية. وكان إقبال يرى أن الأدبيات الشرقية مع رفعتها وعلو مكانتها لا تهتم بالأدب الذي يكون سبباً لنشوء الرجاء والاستعداد للحركة والعمل. ولما ذهب إقبال إلى الغرب وجد أن أدبيات الغرب تشتمل على أشياء تهتم كثيراً بالعمل والدأب عليه ولكن العلم الجديد في الغرب قام ليحارب هذه الحركة ولم يبق له تأثير قوي يحث الناس على الجدِّ والعمل، فدفعت هذه الحال هذا الشاعر العظيم إلى تكريس الجهد لكتابة أدب عال يكون سبباً لبث حب العمل في قلوب المسلمين إلى حد يحرك عواطفهم فيهبون للعمل لتعمير حياتهم على أسس من الدين القويم. فهذا هو الغرض الذي كتب إقبال هذا المثنوي لأجله. وقد قال إنه لم يكتب هذا المثنوي بنفسه بل إنه قد اضطر إلى كتابته كأنه أمر بأن يكتبه فكتبه، وكأن كل شيء كان إلهاما، قال: ’ إنني في حيرة لماذا أخترت لهذا الأمر، نعم يغلب عليَّ الغيبوبة في كثير من الأحيان، ولكنني لم أرد هذا قط.‘ وكذلك صدر الأمر بذلك من والده الذي كان مرشده أيضاً فهو الذي طلب منه أن يكتب هذا المثنوي على منوال بوعلي قلندركما ذكرنا. وقد نقل هذا المثنوي إلى اللغة الإنجليزية الأستاذ المعروف نكلسن ( Nicholson ) وكان أستاذاً لإقبال أيضا. وهذا أمر لايحدث إلا نادراً. صحيح أنه توجد أمثلة كثيرة لقيام التلاميذ بالكتابة عن معلميهم الذين حصلوا منهم العلم وشرح كتبهم وتوضيحها، ولكن قلما يحدث أن - - - - - - - (1) الشيخ شرف الدين بو علي شاه قلندر عالم كبير في الهند توفي في القرن السابع أو الثامن من الهجرة، زاره بعض الدراويش وقال له: إلى متى تبقى غافلا عن المقصد الأسمى للحياة، ألق هذه الكتب في النار واشعل في صدرك نار العشق، فتغيرت بعد ذلك حياته و سمي بقلندر. يقوم الأستاذ بترجمة كلام تلميذه، وليس هذا فقط بل قدّم نكلسن ترجمته إلى إقبال فراجعها وكتب عليها ملاحظات أدمجها نكلسن في ترجمته ورتبها في ضوء تلك الملاحظات. وطبعت هذه الترجمة في لندن سنة 1920م 2- مثنوي نفي الذات ( رموز بيخودي ) (باللغة الفارسية) كتب إقبال ’أسرار الذات‘ (أسرار خودي) ليبعث في قلوب المسلمين روح الجد والعمل، وأن الإسلام يصرح بأهمية الجد والعمل في كل نواحي الحياة المادية والروحية. ثم كتب ’رموز الإجتماع‘ (رموز بيخودي) وأثبت في هذا الكتاب أهمية الروح الاجتماعي وذلك لأن الإسلام كما ركز على الفرد أن يعمل ويجتهد ليصلح بأعماله الطيبة دنياه، ثم يعمل كذلك لتصلح له عقباه، كذلك أمر الجماعة أن تكون كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً. وقد ذكر إقبال أنه أراد بهذا المثنوي أن ينشئ في المسلمين حياة جديدة مملوءةً بالجد والعمل والإجتهاد، فتكون كحياة المسلمين في القرون الأولى. ويقول إنه لم يرد الشعر ولم يتمن أن يكون شاعراً إنما أراد أن يؤدي واجبه نحو المسلمين فهذا عنده فرض وعبادة ويرجو من عمله هذا أن يكون مقبولا لدى الرسول صلى الله عليه وسلم فيرضى به ويكون رضاه سبباً لنجاته في الآخرة. طبع هذا الكتاب في سنة 1918م. 3- رسالة الشرق ( بيام مشرق ) ( باللغة الفارسية ) أراد إقبال أن يكتب جزءاً ثالثاً للمثنوي الذي مضى ذكره. ولكنه أراد في أثناء تأليفه أن يكتب "رسالة الشرق" أولا، وذلك إنه لما رأى ديوان الغرب لجوته (Goethe1832)(1) الذي كان في الحقيقة هدية أرسلها ذلك الشاعر العظيم من الغرب إلى الشرق، كما قال في هذا الديوان شاعر ألمانيا هينه (Heine 1797 ) (2) فأراد إقبال أن يجيب على هذا الديوان ويكتب رسالة الشرق إلى الغرب. ديوان جوته هذا من أهم أعماله الشعرية، وهو الذي سماه بالديوان، وقد كتب هذا الديوان قبل كتابة إقبال رسالة الشرق بمائة عام، وقد قال إقبال في رسالة الشرق إنه يشتمل على - - - - - - - - - - - - 1- غوته ( 1749-1832) أديب وسياسي من كبار علماء ألمانيا. - 2-هاينه (1797-1856) شاعر ألماني. ديوان جوته هذا من أهم أعماله الشعرية، وهو الذي سماه بالديوان، وقد كتب هذا الديوان قبل كتابة إقبال رسالة الشرق بمائة عام، وقد قال إقبال في رسالة الشرق إنه يشتمل على الحقائق الأخلاقية والروحانية، وذكر أن ألمانيا قبل مائة سنة كانت توجد فيها بعض التقاليد التي تماثل ما يوجد عندنا من القيم الأخلاقية والروحية. وذكر أن الشرق بدأ يفتح عينيه بعد سبات عميق وطويل، فعليه أن يدرك هذه الحقيقة وهي أن الحياة الخارجية لا تتغير ولا تتطور إلى أحسن حال من ذي قبل إلا بعد أن يحدث إنقلاب وتغيير في فكر الإنسان. وهذه هي الحقيقة التي ذكرها الله سبحانه في كتابه العزيز: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم." وكتب إقبال رسالة الشرق ليغير المسلمون ما بأنفسهم. وقد طبع ديوان رسالة الشرق سنة 1923م. 4- أذان الرحيل (بانك درا) (باللغة الأردية) هذه مجموعة قصائد ومنظومات لإقبال في اللغة الأردية التي سّماها باسم "أذان الرحيل" وذلك لأن القافلة إذا نزلت في أثناء سفرها في مكان وأرادت أن تواصل سفرها دُقّت الأجراس لأجل إعلام الناس بالرحيل. كأن إقبال يريد أن الأمة المسلمة التي نزلت قافلتها لمدة قصيرة وتوقفت عن الجد والعمل، فهي الآن عزمت على مواصلة سفرها مرة أخرى لتصل إلى غايتها، والشاعر العظيم هو الذي يدُقّ الجرس ويعلن ببدء المسير. وقد بلغ الشاعر في هذا الديوان مستوى أرفع مما كان سائداً في ذلك الوقت من ناحية الفن ومن ناحية ما تشتمل عليه الأبيات من معان ومفاهيم. فيشتمل هذا الديوان على الغزل والمراثي والقصائد وعلى شتى أنواع فنون الشعر. ويشتمل على المنظومات البديعة التي تعرض أمام القارئ مناظر الطبيعة وتبّين مقالات دقيقة من الفلسفة والتصوف وتو ضحها توضيحا يصعب على كل من يكتب في مثل هذه الموضوعات أن يوضحها مثل هذا التوضيح. وقد طبعت هذه المجموعة سنة 1924م. 5- زبور العجم ( باللغة الفارسية ) يشتمل هذا الديوان على أربعة أجزاء: الأول منها يشتمل على مناجات الإنسان في حضور خالقه وبارئه، والثاني يشتمل على ما يرى آدم في حقه من الآراء، والثالث يشتمل على جواب ما أثاره محمود الشبستري (الشيخ سعد الدين محمود الشبستري 720 هج) (1) من الأسئلة في كتابه ’ مثنوي حديقة الأسرار‘ وسمى إقبال هذا الجزء ’حديقة الأسرار الجديدة‘، والجزء الرابع الذي سّماه الشاعر برسالة العبودية. وقد أوضح إقبال في هذا الكتاب تأثير الفنون اللطيفة التي يتأثر بها الإنسان في حال كونه محكوما بغيره. وقد نقل هذا الديوان إلى لغات عديدة من لغات العالم، ومن أهمها الترجمة الإنجليزية التي قام بها الأستاذ آربري ( A J Arbery ) لبعض جزء منها وسّماها في الإنجليزية (Persian Psalms) وقد طبع زبور العجم في سنة 1927م. 6-رسالة جاويد (جاويد نامه ) ( باللغة الفارسية) كان إقبال يفكر منذ وقت طويل في أن يكتب عن الإسراء والمعراج بأسلوبه الخاص. وفي وقت تفكيره بهذا ظهر في الغرب رأي أن دانتي ( Dante 1321) (2) في كتابه الكوميديا الإلهية (Divine Comedy) استفاد مما ورد في الأدب الإسلامي حول الإسراء والمعراج. فأراد إقبال أن يكتب منظومة في أسلوب أدبي رائع، يذكر فيها الوقائع التي جرت في معراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء. وكتب إقبال أن هذا الكتاب سوف يشتمل على ألفي بيت وسيكون على طراز المثنوي لمولانا الرومي وسيكون نوعاً من الكوميديا الإلهية. - - - - - - - - - - - - 1- الشيخ سعد الدين محمود الشبستري (1320م) مؤلف حديقة الأسرار. - 2-دانته (1265-1321) أعظم شعراء إيطاليا ومن رجالات الأدب العالمي. خلد اسمه بملحمته الشعرية الكوميديا الإلهية وصف فيها طبقات الجحيم والفردوس في سفرة وهمية. ولما كان اسم ولد إقبال –جاويد- فسمّى هذا الكتاب باسمه ولكن إقبالا يرى أن جميع شباب الأمة المسلمة مثل جاويد، فكأن الخطاب في هذا الديوان لشباب الأمة جميعا. طبع الكتاب في سنة 1932م. 7-مثنوي المسافر ( مثنوي مسافر ) ( باللغة الفارسية) سافر إقبال إلى أفغانستان بدعوة من ملكه نادر شاه سنة 1933م ليستعين به في تنظيم التعليم في أفغانستان. فهذا المثنوي يشتمل على ما تأثر به الشاعر العظيم في هذه الرحلة من الكيفيات الروحية و الشعرية مثل زيارته لقبور بابر ومحمود الغزنوي وسنائي وأحمد شاه الدراني. وقد طبع الكتاب في سنة 1934م. 8-جناح جبريل ( بال جبريل ) ( باللغة الأردية) هذا أيضا مجموع أشعار إقبال في اللغة الأردية وموضوعه هو نفس الموضوع الذي تناوله إقبال في أذان الرحيل ( بانك درا ). ولكن إقبال ظهر في هذا الديوان كشاعر فيلسوف عبقري ومصلح للأمة، فبلغ شعره في هذا المجموع منتهاه من جزالة البيان ومتانة المضامين وروعة الفكر. وطبع هذا الكتاب في سنة 1935م. 9- فماذا نعمل بعد يا أقوام الشرق! ( بس جه بايد كرد اي أقوام شرق ) ( باللغة الفارسية) هذا الكتاب هو الذي نقدّمه اليوم إلى القارئ العربي الكريم. وهذا هو الكتاب الذي أمر به والده ومرشده أن يكتبه على طراز بو علي قلندر فبدأ هذا المثنوي في سنة 1911م. وقد نقل بعض الكتاب عن إقبال أنه كان نائماً ذات ليلة في الطابق الأول من بيته، فاستيقظ من نومه في منتصف الليل وأدرك أنه في حال نظم الشعر، فهب من فراشه وكتب ما كتب من الأبيات. وقد قال يعبر عن نفسه: لا تفهمن أن ما أقوله شعر إنما هو أسرار عرفتها في أيامي التي أمضيتها في الخمارة ولما فرغ إقبال من نظم الأبيات وأراد أن يصعد إلى الطابق الأعلى لينام رأى درويشاً طويل القامة أبيض الشعر قائماً بين يديه، فتحير إقبال وسأله من أنت؟ وما تريد؟ فرفع ذلك الدرويش يده، وقال في استعجال شديد: ’ أعد خمسمائة رجل.‘ ولم يزل يكرّر هذه الجملة حتى غاب عن نظر إقبال. ثم حدّث إقبال والده عن هذا الأمر فقال لا أستطيع أن أعبر لك عن حقيقة هذا الأمر ومع ذلك فإذا لم تستطع أن تعد خمسمائة رجل فاكتب خمسمائة بيت تنطوي على علم ينشأ منه خمسمائة رجل. فكتب إقبال هذه القصيدة الطويلة التي عدد أبياتها خمسمائة وثلاثون بيتا، والتي افتتحها بقوله: أعد جيوشاً جديدة من ولاية الحب لأن الحرم في خطر من بغي العقل طبع هذا الكتاب سنة 1936م. 10-ضرب الكليم ( ضرب كليم ) ( باللغة الاردية) ينقسم هذا الكتاب إلى خمسة أجزاء، فموضوع الأول منها الإسلام والمسلمون في كل مكان، والجزء الثاني يشتمل على بيان الأفكار التي تتعلق بالثقافة والتعليم والتربية، والثالث يتعلق بالمرأة ومكانتها في الإسلام، والرابع في بيان ما يتعلق بالأدب والثقافة، والخامس ذكر فيه بعضاً من أفكار محراب جل الشاعر الأفغاني . طبع هذا الكتاب في سنة 1936م. 11-هدية الحجاز ( أرمغان حجاز ) ( باللغة الأردية والفارسية) هذا آخر دواوين إقبال. كان إقبال يتمنى كثيراً أن يحج بيت الله العظيم، وأن يقوم بزيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولكن الأمراض التي أوقعته في شبكتها لم تسمح له بهذا السفر، لكنه رحل إلى أرض الحبيب بفكره الرائع وشعره العذب وقلبه المملوء حباً فأرسل إقبال هدية منه إلى المدينة المنورة. هدية الحجاز يشتمل على أفكار إقبال الناضجة فهو نموذج كامل للوجد الذي كأنه يستحوذ عليه ويسيطر على قلبه. رأى إقبال أنه لم يبق للمسلم طريق للنجاة من المأسأة التي أحاطت به من كل جانب إلا أن يرجع إلى الدين الصحيح القويم الذي كان السلف الصالح يدينون به. وقد طبع هذا الديوان بعد وفاة الشاعر في سنة 1938م. فكر إقبال إن لفكر إقبال جوانب عديدة وكلها مهمة، ولسنا نستطيع أن نحيط بها في هذه العجالة المتواضعة لأنها تحتاج إلى كتاب كامل بل يحتاج كل جزء منها إلى بحث مستقل. ونحن نرى أن نذكر هنا ببعض الجوانب المهمة، وعلى كل حال نلم بها إلماماً سريعاً عملا بالقول السائر: ما لا يدرك كله لا يترك كله، ومن ثم فقد انتخبنا من هذه الجوانب موضوعين مهمين في فكر إقبال ولهما صلة بموضوع هذا الكتاب وهما الخودي ( الذات أو الأنا ) والرجل المسلم. أولا: فلسفة الذات (الأنا) أو ( الخودي) أشار إقبال كثيراً في شعره إلى الأنا (الخودي) أو إثبات الذات. ولم يعْنِ إقبال بالأنا ما أراده فلاسفة الغرب من الإيغو ( Eg )بل إنه في الحقيقة يريد بهذا التعبير إثبات وجود المسلم بالجهد الدائم والسعي المتواصل والعمل الذي لا ينقطع ليتغير العالم بحركته وعمله فيكون مطابقاً لما يحبه ويرضاه. ورضا المسلم ليس هو إلا ما كان رضاء الله فيه. فيتحد في فكر إقبال نظر الإنسان إلى باطنه ونظره إلى الله، لأن التفكر في الأنفس ينتهي إلى التفكر في الآفاق والتفكر فيهما ينتهي إلى معرفة وجود الخالق. لأجل ذلك يقول: إن السر المخفي في الخودي هو لا إله إلا الله إن الخودي سيف قاطع مثل لا إله إلا الله يقول إقبال إن جميع ما استطاع الإنسان بحصوله من الخيرات وما فاز به من النتائج الحسنة، إنما هي كلها ثمرات الخودي (الأنا) وإنما غلب الإنسان في الحروب وفتح البلاد والممالك من الشعور بالذات الغالب في وجوده. إذا كانت الذات في الإنسان حية راقية شعر مع فقره بأنه يمتلك كل شيء ووجد في نفسه عزاً وكرامة لذاته. يقول إقبال: إنما يقف الأمر على نشوء الذات وتربيتها تربية حسنة فيوجد في كفة من الطين لهيبا يستطيع أن يحرق وسر الكليمية في كل عصر هو أن تكون الصحراء وشعيب ورعاية الغنم ليلا ونهارا وإنه إذا وجد الخودي في قلب المؤمن فإنه يكون مؤمناً حقاً، ويتحلى بكثير من السجايا والصفات النبيلة الرائعة: يظهر المؤمن في كل لحظة من لحظات حياته في شأن جديد فهو برهان من الله ساطع في قوله وعمله العناصر الأربعة من القهارية والغفارية والقدوسية والجبروت إذا وجدت في رجل يكون مسلما حقا يكون الإنسان المخلوق من الطين رديفا لجبريل ليس له مسكن لا في بخارى ولا في سمرقند ولا يعرف أحد هذا السر أن المؤمن يرى أنه قارئ و لكنه في الحقيقة عامل بالقرآن وعزائمه تكون مطابقة لمقاصد الفطرة فهو في الدنيا ميزان الحق و في القيامة كذلك فهو الندى الذي يلقي برودة في قلب اللالة وهو الطوفان الذي ترهبه البحار وإن ليله ونهاره يمران كأنهما نشيد من أناشيد الفطرة فنغمته وحيدة في النغمات مثل سورة الرحمن وقد نظم إقبال أبياتا معدودة في بيان أوصاف الذات وما تشتمل عليها من أسرار، فيقول فيها إن كل ما يوجد في الحياة إنما هو ظهور الذات ولظهورها أسرار كامنة يظهر كل سر منها بالجهد والعمل والجد والاجتهاد، وأن يكون لكل جهد غرض أعلى ولكل عمل مقصد عال لكي ينمو ويزدهر الخودي من بين جنبات الوجود، فيتمكن من اقتناص امكانيات توجد في هذا العالم المخلوق من الماء والطين. والسعي إلى المقاصد العليا إنما يتأتى من شعور الذات ومن أن يتكون في الوجود نور من الخودي يشع من عينيه ليستضيء به الحياة كلها. وهذا النور يبقى ويدوم إذا يصدر من الحب الدائم العميق الذي يشتعل في الوجود كالسراج: نقطة من النور التي تسمىالخودي وشعلة حياتنا المختفية في طينتنا إنما تحيا وتبقى وتدوم و تنجلي منها وتنور ما حولها ولكن من يريد أن يسير في هذا الطريق من إثبات الخودي في وجوده واستنارته من الحب يحتاج إلى من يدله على الطريق ويرشده إلى سبيل الحق. يقول: اجعل الكيمياء من هذه القبضة من الطين واتجه إلى رجل كامل وألزمه لأن القلب يكون قويا من عشقه وتكون طينة الرجل منورة مثل نور الثريا والمصطفى دائما يكون في قلب المسلم لأن عزنا و افتخارنا إنما هو باسمه ثم إن الحب إذا قوي واشتد وصار عشقاً وامتزج العشق بالفقر حصل للمسلم المؤمن معرفة لمقام المصطفي صلى الله عليه وسلم ويكون في مقام أعلى من مقامات الخودي: إذا قوي الخودي وصار محكما بالحب تكون قوته مسيطرة على العالم فتكون قبضته قبضة حق وينشق من إشارة إصبعه القمر و"الخودي" عند إقبال له مراحل للتربيةوتطورها من درجة إلى درجة أعلى ويحتاج أول ما يحتاج إلى الطاعة الكاملة لله ورسوله أولا ، ثم يحتاج بعد ذلك إلى ضبط النفس ثانياً، ومعناه أن يجتهد المرء المسلم حتى يمتلك زمام الأهواء ورغبات النفس وميولها فلا تجرفه تيارات الأهواء والرغبات إلى المهالك. فإذا تعلم المرء المسلم ضبط النفس لا تتحكم فيه رغباته ولايميل إليها إلا إذا كانت لا تخالف ما أمر الله به ورسوله. وثالثاً الإستخلاف في الأرض وهذه الأخيرة إنما تأتي بعد أن يتمكن المسلم من الأمرين السابقين. وهذه هي المرحلة الأخيرة لنشوء الخودي في الفرد المسلم. ثانيا : الرجل الكامل قد تكلم إقبال كثيرا في أشعاره عن الرجل الكامل، وتمثل بشعر الرومي عند ما افتتح كتابه ’ أسرار الذات ‘ : رأيت شيخاً يحمل في يده السراج يطوف في طرق المدينة ويقول: إنني مللت من معاشرة الوحوش فخرجت لأبحث عن الإنسان وقد ضاق صدري عن هؤلاء الكسالى الذين يرافقونني فخرجت أبحث عن أسد الله ورستم العصر فقلت له أنا ما وجدت ذلك مع إنني أكثرت من البحث عنه فقال أحب شيء عندي هو الشيء الذي لا يوجد وتمثل إقبال ببيت نظيري النيسابوري: لايوجد في عالم البر و البحر شيء ليس له غرض من وجوده بل إن الخشب الذي لا يصلح للممبر أصنع منه الصليب يقول إقبال إن الله سبحانه لم يخلق هذا العالم باطلا بل خلق كل شيء بحكمته الدالة على وجوده، ولما كان الإنسان خلق في أحسن تقويم وأجمل صورة ونفخ فيه الروح من الملأ الأعلى كيف يمكن بعد هذا أن يتصور أنه خلق سدى، يأكل ويشرب ويمشي مثل الدواب و الأنعام؟ فكل إنسان يكون أكبر همه الأكل والشرب مبلغ علمه وغاية رغبته الدنيا فهو ليس بإنسان، إنما هوحيوان في صورة إنسان. فالشيخ الذي خرج حاملا السراج في يده يريد البحث عن الإنسان، كان يبحث عن الإنسان الكامل الحقيقي. فمن هو الإنسان الحقيقي؟ ومن هو الإنسان الكامل ياترى؟! ذلك هو الرجل المسلم الصادق والمؤمن حقاً الذي استنار قلبه بنور البصيرة فكأن نوره يمشي بين يديه. وهو الذي كان عمله كله موافقا لما يحب خالقه ويرضاه. وهو الذي يتمثل في سيرته بالأسوته الحسنة ويقتدي بهديه الكريم. وهو الذي اشتعلت في قلبه نار الحب فاستنار من ضيائه ما حوله. وهو الذي يحب الله و رسوله حباً يغلب على حبه لولده ووالده والناس أجمعين. هذا المسلم هو الذي يمتاز عن أهل الشك بإيمانه، وعن أهل الخوف بشجاعته وقوته الروحية، وعن عبيد الدنيا بتوحيده الخالص ، وعن أهل الأهواء بإتقاء الهوى. هذا المسلم هو الحي الخالد لأنه يحمل رسالة خالدة ويعيش لغاية خالدة ، فهو باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأن القيامة لا تقوم إلى أن يبقى من يقول لاإله إلا الله وهذه هي مقالة المسلم. يقول شاعرنا العظيم: يبقى المسلم حيا في العالم و ذلك لأنه رمز رسالات الأنبياء و لأن أذانه إعلان للحق الذي جاء به الرسل والأنبياء وليس المراد من بقاء المسلم بقاء كل فرد من المسلمين بل يبقى كما يبقى البحر والأمواج تأتي وتمضي فكذلك الأفراد من المسلمين يأتون ويذهبون ولكن الأمة المسلمة باقية وكلمة الإسلام خالدة، وهذا الإعلان بأن الله واحد لا شريك له يبقى، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. والمسلم هو رائد الإنقلاب الصالح ومصدره في كل زمان ومكان. وهو الذي تسير الإنسانية خلفه وتتبعه، لأنه صاحب الرسالة وصاحب العلم واليقين ولأنه هو المسئول عن تقدم هذا العالم واتجاهاته فمقامه مقام الإمامة والإرشاد ومقام القيادة والتوجيه. بل إنه مسئول عن مقاومة الأوضاع الفاسدة وتغييرها وإصلاحها لتقوم الإنسانية على أساس من الدين قويم وليكون المجتمع طاهراً من دنس الجاهلية وأرجاسها. يقول: إن ربي سألني: هل رأيت هذا العصر صالحا لك ومنسجما مع رسالتك فقلت لا يا رب، فقال قم وحطمه ولا تبال ويرى إقبال أنه ليس من شأن المسلم أن يخضع أمام الأحوال الفاسدة بل عليه أن يغيرها ويقومها تقويما تاما، يقول: إن المؤمن الضعيف هو الذي يعتذر بالقضاء والقدر أما المؤمن القوي فهو نفسه القضاء الغالب وقدره الذي لا يغير إن الرجل المسلم لا تقيده حدود الأجناس والأوطان، بل ربما لا تسعه الآفاق لأن حقيقته تفوق الآفاق وتبلغ به إلى سدرة المنتهى، يقول إقبال: المسلم ليس بشرقي ولاغربي، فليس وطني دهلي ولا أصفهان ولا سمرقند إنما أنا مسلم فوطني العالم كله لقد اكتشف إقبال الرجل الكامل وقال إنه هو المسلم الصادق في إيمانه، العامل لما يحبه خالقه ويرضاه، المحب لله ولرسوله حبا يملك عليه العقل والنفس والوجدان. بسم الله الرحمن الرحيم شرح مثنوي فماذا نعمل بعد يا أقوام الشرق كلمة إلى القارئ أُعِد ُّجيوشاً جديدةً من ولاية الحب لأن الحَرَم في خطر من بغي العقل هذا العصر لا يعرف شيئا عن حقيقته إن الحب رداءٌ جميل للعقل وقد وصلتُ عن طريق الحب إلى مقام رفيع حتى إن العقل يطوف حول هذا المقام ويَسعَد به لاتفهمن أن العقل كامل فوق الحساب والميزان فإن فكر العبد المؤمن القويم هو مقياس صالح للعقل * * * إن العقل الإنساني محدود بالحواس الخمس ومقيد بهذا العالم المادي فحسب، ولا يستطيع أن يرى ما وراءها. وللعقل في نظر إقبال ثلاث درجات، الدرجة الأولى: العقل المادي أو العقل الحيواني الذي يتكفل بالحاجات الغريزية من الطعام والشراب وحفظ النفس والنسل، ويشترك الإنسان مع الحيوان في هذه الدرجة. والدرجة الثانية: العقل الإنساني الذي يقوم به الإنسان بجميع الأمور التي تتعلق بالحضارة والتمدن. والدرجة الثالثة: العقل الروحاني، وهو الذي يحصل للإنسان عن طريق الإيمان بالله و العمل بما يحبه ويرضاه. إن الإنسان مركب من المادة والروح، وإن له حاجاتٌ روحية وجسدية. أما حاجاته الجسدية فيكفي للعقل أن يقوم بها ويشبعها كلما ظهرت ولكن العقل لا يجد سبيلا إلى إشباع حاجات الإنسان الروحية. فالحاجة ماسة إلى شيء يفوق العقل ويمتاز به ألا وهوالوحي الرباني الذي ظهر في صورته الخالدة وهي الشريعة الإسلامية. وإن المسلم الصادق مع التزامه بالأحكام الشرعية لا بد له أن يحب الله ورسوله؛ لأن الحب الصادق لله ولرسوله ينشئ صورة صادقة للإخلاص والقيام بدينه بما يملك. فالحب يفوق العقل ويمتاز عليه. وكثيراً ما يعمل الحُبُّ عملاً يدهش العقل به كما أن نبي الله إبراهيم عليه السلام بلغ من اليقين بالله درجةً لا تسامى ومن الحب مبلغاً أن طُرح به في النار فدخل فيها بدون تردد أو نكوص، فيقول إقبال: إن الحبيب في شدة حبه خاض في لجة من النار والعقل لا يزال يقف حائراً على هذه الجرأة العظيمة إن العقلية الجديدة التي ظهرت في هذا العصر إنما هي مبنية على المادية البحتة، والمثقفون من المسلمين قد تأثروا بها تأثراً كبيراً، ولكن إقبال يرى أن يكون العقل تابعاً للوحي الذي أنزله الله على رسوله، وذلك لأن العقل المادي البحت البعيد عن هداية الله وتوفيقه يضِلُّ صاحبه فيتبع هواه بغير هدى من الله. أما العقل المستنير بالوحي الإلهي هو الذي ينير الطريق ويرشد الإنسان إلى الصلاح والفلاح. وقد أحس إقبال بالخطر العظيم على دين المسلمين وثقافتهم من العقلية المادية الخالصة، وأراد أن يهيءَ جيشاً جديداً مكوَّناً من الحب ليقابل هذا الخطر. ورأى أن الناس لا يعرفون شيئاً عن ماهية الحب ومدى قوته ورفعته، مع إن الحب رفيعٌ في شأنه عظيمٌ في قدره ولا بد للعقل أن يكون مستوراً في هذا اللباس الرائع الجميل. ويرى إقبال نفسه أنه قد وصل بالسلوك على طريق الحب، إلى مقام رفيع يطوف العقل حوله ويتعجب منه. والحب في فكر إقبال هو الإيمان بالله وبرسوله إيماناً لا يشوبه شك ولا يعتريه ريب، والعمل بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأعمال والأخلاق مع الحب الشديد لله ورسوله، وذلك لأن الحب يسهّل الطريق حتى يكون العمل بما يقتضيه الدين الإسلامي أمرا طبيعيا عند المؤمن الكامل. وهذا ما يدل عليه القرآن والسنة النبوية: فقد ورد في القرآن الكريم: "والذين آمنوا أشد حبا لله." (البقرة:165) والوصول إلى الإيمان بالله والحب الشديد له إنما يتوقف على الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم والإتباع الكامل له والحب الشديد له، كما قال الله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله." وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين(1) فمقياس العقل وميزانه هو الوحي الإلهي، فلا يفهمن أحد أن العقل يفوق كلَّ شيءٍ ولا يُوجد له مقياسٌ يقاس به أو ميزانٌ يوزن فيه. لا! إنه ليس كذلك، بل إن فكر المؤمن القويم الذي استنار بالوحي قلبُه هو المقياس الصالح لوزن العقل والتعرف على قيمته. * * * - - - - - - - - 1) صحيح البخاري، الإيمان، باب حب الرسول من الإيمان، ص 6- تمهيد إن قلب الرومي -وهو مرشدي-منور بنور المعرفة وهوأمير قافلة الحب والشوق منزلته تفوق الشمسَ والقمر وقد وطّد أطناب خيمته على رأس الثريا صدرُه منوَّر بنور القرآن حتى إن كأس جمشيد لايماثل نورَ قلبه في صفائه والرومي الصادق ينشد بالناي نشيده وصار قلبي مملوءًا بصوت نشيده العالي يقول الرومي إن روحه عرفت أسرار الحياة وإن الشمس قد بزغت في منتصف النهار إنه قد أُعطِىَ من الحب شوقاً جديداً انحلت العقد القديمة من فضل هذا العطاء الجديد * * * قد افتتح إقبال هذه الأبيات بالثناء الجميل على الرومي، فيقول إن قلب الرومي _وهو مرشدي في طريق السلوك _ قد استنار بمعرفة الحق وهو قائد قافلة الحب والشوق. وإن منزلته في معرفته الحق عالية كبيرة وذلك لأن صدره مُنَوَّرٌ بنور القرآن، حتى إن كأسَ جمشيد (1) لا يماثلُ نور قلبه في صفائه. _ _ _ _ _ 1- جمشيد، بطل إيران الأسطوري، و كان من كبار الملوك، يُروى أنه كان عنده قصعةٌ مجلاَّةٌ يرى قيها جنوده المحارِبة في الثغور. والرومي الصادق يُنشد نشيده بالناي ويسمع الشاعر نداءَ الحقِّ ويحسُّ في أعماق قلبه ما تحتوي عليه تلك الأناشيد من المعاني. وقد افتتح الرومي ديوانه بهذا البيت: استمعوا أيها الناس إلى هذا الناي الذي يحدثكم بحديث وهو يشكو ويحن إلى أصله لما حصل له من الفراق والبعد عنه والرمز في هذا البيت أن الإنسان مخلوق خلقَه الله تعالى من طين ثم سوَّاه ونفخَ فيه من روحه، فمن أجل هذه النفخة الربانية التي نفخها الله بين جنبيه، يتجه الإنسان ويستكن إليه ويناجيه آناء الليل وأطراف النهار. وهذه هي الفطرة التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، فصار من الواجب أن يكون العبد على صلة قوية بخالقه وأن يلجأ إليه بروحه وقلبه ووجوده ويحنّ إليه ويبكي على البعد منه كما يبكي الناي ويحنّ إلى أصله. وذلك لأن البعد عن الخالق ينشأ في روح الإنسان قروحاً لا تندمل ولو ملك الدنيا بحذافيرها. والرومي يقول: إنه قد عرف أسرار الحياة وعلم أن ظلام الليل سوف ينقشع عن قريب وستطلع الشمس بعد قليل وسيأتي قوم جُدُد تكون قلوبهم مليئة بالحب فيحلّون المشاكل التي حلّت بالمسلمين. * * * ليس أحدٌ مثلك في معرفتك بأسرار الغرب لأنه لم يدخل أحدٌ نارَ الغرب مثلك فعش حياةَ الخليل في حبّ الله لتهدم أصنام هذا العصر * * * يخاطب الرومي الشاعرَ ويقول له : يا إقبال! إنك قد عرفتَ أسرار الحياة وفهمتَها فهماً عميقاً وقد مكثتَ في الغرب أياماً غير قليلٍ، فعرفتَ العلوم الجديدة وتمرست بالثقافة العصرية كما أنت على معرفةٍ تامةٍ بالعلوم القديمة. وقد أعطيتَ من الحب شوقاً جديداً وميلاً إليه عظيماً، فملكتَ الأوصاف التي جعلتْكَ أهلاً لإيقاظ الأمم الشرقية من سباتها العميق. فقمْ يا إقبال مثل إبراهيم الخليل لتنقية الأفكار الفاسدة التي تسربت إلى حياة المسلمين. فادخل في هذه النار كما دخلها الخليل وحطِّم أصنام هذا العصر. * * * إنما تبقىالأمم بالحب، والناس يُسَمَّون هذا الحب جنونًا لم يوجد قوم تحت السماء الزرقاء عملوا عملا كبيرا بدون الحب البالغ حدّ الجنون والمؤمن يكون قويا بعزمه وتوكله على الله ومن لا يؤمن بحقيقتهما يكون مثل الكافر المؤمن يعرف الخير من الشر ويميز بينهما و ينظر بنظره الثاقب إلى الأمور كلها حتى إن الجبل يصير رمالاً من قوة ضربه و تقوم الساعة من بأسه وشدة نفسه أيها المؤمن! إذا تجرعتَ الكأسَ المفعَمَةَ من خمرنا فقد انتهى الضعف والكسل وحصل لك النشاط فاجعل حياتك في هذا العالم كريح الطيِّب الذي يعبق ولكن لا يراه أحد وعِشْ في ألوان الدنيا و لاتتلون بها العالَم الذي تعيش فيه لا يعرف عن الروح شيئا مذهبه في الحياة هو حب الدنيا لاغير الفيلسوف لايفهم هذا الرمز لأن فكره يدور حول المادة فقط بصَرُه لم يتنوَّر من نور القلب فلا يرى فيما حوله إلا الألوان من الأزرق والأحمر والأصفر فمرحبا بالرجل الذي قلبه لا يميل إلى الدنيا فكت رجله من القيود التي وضعها غير الله * * * يقول الرومي لإقبال إن العصر الذي تعيش فيه عصر غلبتْ فيه المادية على الروحانية، والقلق الذي يُعاني منه الإنسان في هذا العصر إنما هو من فقد ذلك العنصر الروحي الذي يتجلَّى في الحب والعشق. وإن نشأة الأمم ورقيها إنما تنبني على الحب والعشق. وذلك أن الأمة التي ينبني أمرُها على الحب هي التي يعلوقدرها ويرتفع أمرها؛ لأنها إذا آمنت إيماناً واثقاً وحلَّ هذا الإيمان في سويداء قلوبها وأحبَّتْ ما آمنتْ به حباً شديداً لاجتهدتْ وتفانتْ في سبيل ما رأته خيراً لها فسيحصل لها النجاح الكامل بهذا الكفاح الدائم، كما أن الصحابة – وهم الرُوَّاد الأُول - أفنوا حياتهم في سبيل ما رأوه حقا . إن المؤمن له خصائص قيّمة، فهو يؤمن بالله إيماناً حقاً ويتوكلُّ عليه في جميع أمور حياته فيحصل له بهذا ملكة مستكنة في ذاته يعرف بها الخير والشر، ويميّز بينهما، ويرى العالم بنظره الثاقب البصير. والمؤمن لا تحصل له القوة إلا بالإيمان بالله والتوكل عليه والعزيمة الراسخة بالقيام بما أمر به ولو جمع أسباب الدنيا كلها، لأن حكمة الله تعالى مع المؤمنين تختلف عن حكمته مع الكافرين، فيجعل لهم الأسباب المادية متكفلة بهم، تعمل لصالحهم ولكنها لا تعمل في حق المؤمن مثل عملها في حق الكافرين. وما الفارق بين المؤمن والكافر إذا كان المؤمن يعتمد على الأسباب، كما يعتمد الكافر عليها، ولا يعتمد على خالقها، كما لا يعتمد الكافر عليه. ولن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فلا بد لها إلا أن تتجرع من تلك الخمر التي شربها الأولون و انتشوا بها وحصل لهم النشاط وقاموا بأعمال عظيمة تتحير بها العقول. فعشْ أنت أيها المسلم في هذه الدنيا مثل العبيرالذي يعبق ريحه ولكن لا يراه أحد، وعش في الدنيا وأنت لا تهتم بها، فمرحباً بهذا المؤمن الخالص تجلى بصره بنور قلبه وصار حراً طليقا من قيود الحياة المادية وأغلالها. * * * السر المخفي في قوة الأسد وغَطْرَسَتِه لا يستطيع أن يعرفه البقر ولا الجاموس فلا تكشف سرك إلا أمام الأسود ليس له أن ينادم جليسه الدنيء ولو كان ملِكا ذا ملك كبير مثل الروم والري لو ذهب الذئب بيوسف لكان أجمل من أن يشتريه رجل خسيس أهل الدنيا ليس عندهم خيال ولا فكر كيف يعرف صانع الحصير قيمة الأطلس؟ وقد قال شاعرٌ أعجميٌ كلامًا حسنًا كاد القلب يذوب من شدة تأثيره نشيد العاشق الذي يفشي به سرَّ حبه مثله كمثل صوت الأذان في آذان الكفار * * * المحب العاشق يحفظ في وجوده أسراراً، لا يجوز له أن يفشُو بها عندالعامَّة الذين لا همّ لهم غير الدنيا، فإنهم ليسوا بأهل لمعرفة هذه الحقائق، كما إن البقر لا تستطيع أن تفهم سر الأسدية فكذلك أبناء الدنيا الذين لا هم لهم غير الدنيا ولعاعتها، وإن قلوبهم معلقة بحبها، وجدوها أولم يجدوا. وإن لا يليق للمحب الصادق أن يجالس الجليس الدنيء الذي لا يشاركه في حب حبيبه ولوكان يملك الدنيا بحذافيرها. لأن أهل الدنيا فقراء لايوجد عندهم فكر صحيح مستقيم وليس عندهم خيال يطير بهم إلى الفضاء الطليق، فلا بستطيعون أن يدركوا سر الحب كما إن صانع الحصير لا يعرف قيمة الأطلس. فالمحب الصادق إذا لم يجد المحب من يبوح إليه بسرِّه فعليه أن يكتمه في قلبه ولا يظهره على أحد، لأنه لو ذهب الذئب بيوسف لكان أحسن من أن يشتريه رجل لا يعرف قدره وقيمته. إن للحب مكانة رفيعة عند أهل التصوف وهم يريدون به حبَّ الله وحبَّ رسوله، ويظهر هذا الحب العميق عندهم في حبهم للناس أجمعين، لأن الخلق عيال الله، والحب للمخلوق دليل على حب الخالق. ولكن أهل الدنيا أكثرهم لا يعرفون حقائق الحب فكشف أسراره عليهم يماثل الأذان الذي يصل إلى آذان الكافرين. * * * قل لهم-يا إقبال- معنى الدين والسياسة مرة أخرى بيِّن أمام أهل الحق الحكمة التي يشتمل عليها الدين والسياسة وتحمّل ألم المشاق في هذا السبيل ولتزهدْ نفسك في الدنيا وأهلها لأن المحب يتحمل الحزن والألم بينما أهل الدنيا يتمتعون بدنياهم الفقير هو الذي يتعب كاهله من حمل ردائه فهو يمشي حرًا كالهواء الطلْق الذي لا يحمل شيئا غير عبير الأزهار عش كالبحر الذي ترتفع أمواجه وتصطدم بالجبال أو كن مثل الندى الذي ينزل على الأزهار * * * إن الدين الإسلامي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من عند الله تعالى، شامل لجميع الجوانب من الحياة الإنسانية، فيشتمل على العقائد والعبادات والأخلاق الكريمة الظاهرة والأوصاف الطاهرة الباطنية وطريق السلوك مع الناس، والمراد من كلمة السياسة هنا في نظر إقبال هو ما يتعلق بحياة الإنسان الاجتماعية. وقد تسرب الفساد إلى حياة المسلمين وأحاط بهم من كل جانب فاكتفوا بما عندهم من المفاهيم المتعلقة بالعقائد والعبادات وصرفوا نظرهم عن الدين الكامل الذي يشتمل على جوانب الحياة كلها، فلذلك يخاطب الرومي إقبالاً و يقول له : يا إقبال! قل للناس معنى الدين والسياسة مرة أخرى واذكر لأهل الحق ما فهمته من الحقائق التي تتعلق بحكمة الدين والسياسة، وما تتعلق بهما من نتائج مهمة ذات تأثير قوي في حياة المسلمين الاجتماعية. ففهمهُم للدين الإسلامي إنما هو فهم خاطئ، وهم في حاجة إلى فهم ما يدعو إليه الدين من الأوصاف الكريمة والأخلاق الرفيعة وما يقتضي في حياتهم من أعمال البر والخير والصلاح. واذكر لهم معنى الفقر الذي مدحَه الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو أن يعيش المؤمن في هذه الدنيا غير مبالٍ ولا مهتمٍ بها، وذلك لأنه يحب الله ورسوله، ولا يجتمع في قلب رجل جبان معاً- حب الله ورسوله وحب الدنيا و متاعها - إنما يعيش المؤمن حراً طليقاً لا يزعجه همُّ الدنيا وإنما يسير في طريقه كالهواء الطلق الذي لا يحمل في طيّه شيئاً إلاّ عبير الأزهار. * * * الحقيقة الإيمانية التي تعبر عن حقيقة الوجود ليست مستترة في قلب المؤمن وأنى لك إدراك حقيقة روح المؤمن؟ إن قطرة الندى التي تنزل من السماء تعتني بوجودها وتحل عقدها بيدها لاتزال مستترة في ضمير وجودها و لا تزال تصون اتصالها بالأفلاك لاتسير إلا إلى البحر ولا تستر نفسها في الصدف بل تبقى إلى طلوع السَّحر ثم تصل إلى الزهرة التي تتفتح لها * * * إن المؤمن الكامل يعرف الحق معرفة دقيقة، فهو يعرف الله بذاته وصفاته، ويرى كمال خلقه ويدرك ما يدل عليه من الدلائل الكثيرة المتنوعة المستترة في الأنفس والآفاق. فهو يعرف الله سبحانه وتعالى كما عرّف به الرسول، صلى الله عليه وسلم، وإن صفات الحق من الجود والكرم تتجلى وتنعكس في وجوده فيكون وجوده مثل القطرة الصغيرة (الندَى) التي تنزل من السماء ليلاً فتمكثُ الليلَّ كلَّه وتنزل في فم الزَّهرة التي لا تزال تتفتح فمها لتصل إليها. فالمؤمن في صبره واستقلاله وفناء ذاته في سبيل الخير والحق مثل قطرة الندَى، فهو سِلْم كلُّه وجودٌ ورحمةُ ورأفةٌ للآخرين يُضَحّي بحياته ليمنحَها غيرَه. * * * خطاب للشمس أيتها الشمس المنيرة إنَّك تنيرين بضوئكِ كلَّ ذرةٍ في العالم الفرح والسرور في كل الوجود ومن فضلك يظهر كل مستور في الوجود تسيرين كأنك أجلى وأنور من يد الكليم كزورقٍ ذهبٍي يسبح في يٍم من اللُّجين أنت التي تجلين بنورك القمر أنت التي أعطيت الضياء للجوهر المخفي في الحجر إن ألم الحب الذي يوجد في قلب اللالة إنما هو من فضلك والدم الذي يجري في عروقها إنما يجري من حرارتك إن النرجس يتفتح عنه مائة حجاب لكى يحظى من شعاعك بنصيب * * * إن المشرق لم يزل مكان الحضارة ومحل الثقافات الاجتماعية والدينية في التاريخ الإنساني كله، فقد نشأت الحضارة أول ما نشأت في المشرق وتطورت وتلألأت وبزغت شمسها حتى استنار العالم كله. إن الملل الشرقية إنما كان مسكنها الشرق، ولشد ما يرجو إقبال رقي الأمم الشرفية ونهضتها. ولذلك يخاطب الشاعر الشمس ويتمنى أن تطلع الشمس بضياء جديد، حتى يتنور الشرق من نورها، ويستضيء بضيائها، وأن يكون المشرق محل الحضارة الجديدة التي تمثل الجانب الروحي الذي يحتاج إليه الإنسان، كما تمثل الجانب المادي في حياته، فيحلُم الشاعر أن نهار أقوام الشرق سيضيء قريباً مثل ضوء الشمس فإذا بزغت الشمس ذهب الظلام واستنار كل مكان. فمخاطبة الشمس إنما هي أمنية يحلم بها الشاعر ويتمنى تحققها في المستقبل القريب وهي طلوع فجر جديد في المشرق، وهذا التمني ليس ببعيد عن التصور والخيال، وذلك لأن الشمس هي منبع النور ومنها فيضان الحياة في كل وجود، فالقمر يستضيء من نورها، والجوهر المستتر في الحجر يتجلى بضيائها، ويأخذ لمعانه منها. وحرارة الشمس تجري في كل شيئ حي في الوجود، وإن القرح الذي يوجد في قلب اللالة من ألم الفراق الذي يجده في قلبه إنما هو أثر من آثار الشمس، والدم الذي يجري في عروق الأزهار إنما يجري من حرارة الشمس كما أن زهرة النرجس يتفتح غلافها لتستفيد من ضيائها. فكما استنار من ضيائك أيتها الشمس كل شيء في العالم فأرجو أن يحصل لي من ضيائك حظ وافر حتى أستطيع أن أنور وجودي ثم أنور الشرق ليتحرر من الأفكار الفاسدة. * * * فهنيئاً بطلوعكِ لعلكِ تأتين إليَّ بصبح جديد فتصير كل شجرة في استنارتها مثل شجر سيناء أنت ضوء الصبح وأنا ظلام الليل فنوِّري السراجَ في قلبي طينتي مظلمة فنوِّريها واغمريها بضيائك حتى أكون سببًا لتنوير ليل أفكار الشرق وأَجعل صدور أحرارهم منورة وأصنع المواد الخام صنعاً محكماً من نشيدي و أمنح الأيام بذلك كرة أخرى ويتحرر فكر الشرق من قيود الغرب ويأخذ لونا جديدا من النشيد الذي أتغني به الحياة هي من حرارة الذكر فقط والحرية تكون من عفاف الفكر فحسب إذا وقع الفساد في فكر قوم تحولت الفضة حديدا صلدا في أيديهم تموت الأفئدة في صدورهم ويصير الأمر المستقيم زائغا في نظرهم يخاف من الحرب والضرب و يرى السلامة في السكون وعدم الحركة وموجه قلَّما يرتفع عن سطح الماء وجوهره يصير خزفاً لا قيمة له ولذلك لا بد من تطهير الفكر الفاسد أولاً وبعد ذلك يسهل تعمير الفكر من جديد * * * فهنيئاً لكِ أيتها الشمس المنيرة! أرجو أن يحصل لي من ضيائك بنصيب، فيذهب ظلام الليل بضيائك، وليتنوَّر قلبي بنورك ويطلع عليَّ من نوركِ صبح جديد، ويستضيئ بذلك الصبح كل مكان وتستنير بالضياء كل شجرةٍ كما استنارت الشجرة التي نبتت في سيناء، حتى أستطيع أن أنوِّر الشرق كله وأحرر فكره من الأفكار الفاسدة التي استولت عليه بمر الأيام وكر الدهور. أريد أن أصنع من نشيدي هذه الأقوام الشرقية قوية محكمة، وأحرِّر أفكارَهم من القيود التي أعيتْهم عن المسير، وأمنحهم حياة جديدة. و الحياة لا تتأتى إلا من حرارة الذكر والحرية لا تحصل إلا من عفاف الفكر. فالمؤمن في حاجةٍ شديدةٍ إلى ذكر خالقه بلسانه وقلبه وجوارحه، فعليه أن لا يغفل عن ذكره في أي وقت من الأوقات، حتى في وقت العمل، تعمل يداه ويذكر قلبُه. لأنه بذكر الخالق يذكُر أصلَه، والإنسان إذا نسي أصله هوى وسقط وضل ضلالًا بعيداً، " نسوا الله فأنساهم أنفسهم." وإذا كان المؤمن يذكر الله على ديمةٍ يحصل منه عفَّة الفكر، أي الفكر السليم المستقيم الذي يستطيع المؤمن أن يرى به الأشياء على حقيقتها، ويدرك الأمور على وجه تنضبط به حياته وتستقيم. وإنه إذا وقع الفساد في الفكر تتغير الأمور كلها، وتنقلب الأشياء بأسرها، حتى إن الأمر إذا كان مستقيماً يراه الرجل بفكره الفاسد غير مستقيم. ويدخل الخوف في صدره، فيهرب من الحرب والضرب ويقتنع بسلامة نفسه ولو فسد العالم كله. لذلك لا بد من تطهير الفكر الفاسد أولاً لكي ينمو ويزدهر في الإنسان فكرٌ عالٍ مستقيمٌ. * * * الحكمة الكليمية إذا صدر الأمر من النبوة فيجب أن نترك حكم السلطان إن المؤمن يرى القصر السلطاني مثل المعبد القديم وإن غيرته على الحق لا تسمح له إلا أن يتبع الحق * * * الحكمة الكليمية عنوانٌ بليغٌ يحتاج إلى توضيح معناه. إن كلمة ’ الحكمة ‘ مأخوذة من القرآن الكريم فقد وردت الكلمة في كتاب الله تعالى مرّات كثيرة، قال الله تعالى وهو يخاطب نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم: "ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة" فأطلق الله سبحانه كلمة الحكمة على جميع ما أوحي إليه من الحكم والأحكام وما اشتملت عليه السنة النبوية من العلوم والمعارف. وأما كلمة ’الكليمية‘ فهي مأخوذة من الكليم، والكليم هو موسى عليه السلام كما قال الله تعالى :" وكلم الله موسى تكليما." فالمراد من الحكمة الكليمية جميع العلوم والمعارف التي اشتمل عليها كلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وكان من الممكن أن يكون العنوان ’الحكمة النبوية‘ وهو المقصود هنا، ولكن لما كان إقبال يرى أن المؤمن الكامل هو الذي يملك القوة المادية مع قوته الإيمانية، والكليمية تشير إلى أن موسى عليه السلام، مع نبوته ورسالته وكلامه مع ربه، قام مهاجماً فرعون وسيطرته الظالمة وعدوانه الكبير، فغلب عليه بما أراه الله من الدلائل القوية والبراهين القاطعة وبما أعطاه الله من القوة، وفاز بإخراج بني إسرائيل من هذه الأرض الظالم أهلها، رغب في استخدام هذا التعبير: " الحكمة الكليمية." وهذا الجزء من المثنوي يحتوي على مديح الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر بعض خصائصه وبيان المزايا التي امتاز بها الدين الإسلامي، ليكون منهاجا قويما للناس أجمعين إلى يوم القيامة. وما أشد ما يحتاج إليه المسلم في تكوين حياته من جديد وتأسيسها على أساس متين. إن الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظْهره على الدين كلِّه، وأوجب على كل من آمن بالله وبرسوله أن يتبعه في أسوته الحسنة وأن يطيعه في جميع ما جاء به من الأحكام والشرائع، وأن يضرب صفحاً عن كل شيء يخالف أمره، وأن لا يحتكم في أمر من أمور حياته إلى غيره ولو كان ذلك الآمر ذا سلطان عظيم. وذلك أن المؤمن الكامل يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور حياته كلها ولا يتبع غير الحق أبداً؛ لأن غيرته على دينه لا تسمح له بذلك. * * * إن صحبة الرسول كوَّنت من الأميين أمة عظيمة ووهبتْ للأيام صوتاً جديدا إنه علَّم الناس أن الموجود هو الله وحده وأن كل شيء غيره فانٍ لا محالة فلم يبق للعاقل مجال إلا أن يعبد الله وحده إنَّ بلَلَه يشعل النار في عنقود العنب وإن الطين يصير من نفخه نفساً طاهرا إنه دليل على وجود جبريل و كان خلقه القرآن وهو الحافظ لفطرة الله وحكمته تعلو على العقل ذي الحيل ومن روحه تقوم أمة جديدة إنه حاكم لا يحتاج إلى تاج الملوك وسريرهم ولا يحتاج إلى جنود ولا حاجة له إلى جباية الخراج يتحول الصيف ربيعاً من ثاقب نظره والخمر المعتقة تصير مُرَّة من خمره والحياة وقت الصبح مستترة في مناجاته والكون ينجلي من نور صبحه والأرض برها و بحرها تتغير من شدة ما أتى به من الريح الشديدة ونظره يحمل دعوة للإنقلاب إنه يعلِّم الناس أن " لا خوف عليهم "(1) بهذا الدرس يجعل القلوب قوية في صدور المؤمنين ومن درسه العزم والتسليم والرضا فيكون المؤمن سراجاً يستنير العالم بضوئه لست أدري ما السحر الذي يعمل به فإن الروح والجسد يتغيران من شدة تأثيره إن صحبته تجعل الخزَفَ دُرَّاً والذي كان لا يملك شيئا يصير قلبه مملوءاً بالحكمة والمعارف وهو يقول للعبد العاجز قم حطِّم كل معبود سوى الله * * * إن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم مكَث بين أصحابه المؤمنين الصادقين مدة ثلاث وعشرين سنة، ورباهم – وهم ألوف - تربية لا مثيل لها في العالم كله، فتغيرت طباعهم وانقلبت عقليتهم وتطورت أخلاقهم وعاداتهم وتبدلت أحوالهم غير الحال التي كانوا عليها من قبل، فتكونت منهم أمة عظيمة، تغيرت الدنيا بأسرها بعد ظهورها وتطور العالم كله مما لها من تأثير عميق. وما الذي أحدث هذا الحادث العظيم؟ هو تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه لا إله إلا الله وحده وأن كل شيءٍ غيره فانٍ لا محالة، وكل شيء هالك إلا وجهه! _ _ _ _ _ 1- إشارة إلى الآية الكريمة: " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون " ( يونس 62) وهوالذي خلق الكون وخلق الإنسان، فهو الخالق وهو المالك، وهو المتصرف في الأمور كيف يشاء، وإذا كان هو كذلك، والإنسان ما هو إلا عبد له، فقير إليه، متوكل عليه في حياته ورزقه وموته، فليس له أن يعبد إلا إياه، وهوالمعبود بحق لا أحد سواه، وهو الموجود حقاً فلا موجود إلا هو. وأما هذا الكون وما فيه من الأشياء فكلها حادث فانٍ لا يبقى، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، فوجب أن يكون المعبود هو الله وأن يكون الموجود حقاً هو الله. وإن هذا الرسول العظيم الذي أنزل عليه القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي أدبه ربه فأحسن تأديبه وعلمه مالم يكن يعلم، وأعطاه من الحكمة التي لم يُعطها أحدا من العالمين، وكان فضل الله عليه عظيما. فعلَّم صلى الله عليه وسلم أصحابه ما يحتاجون إليه من علم الدنيا والدين، وأدبهم خير تأديب وزكاهم من دنس الجاهلية وأرجاسها، ودرسهم العزيمة والتسليم والرضا، فعلتْ روحهم، وصفتْ نفوسهم، وجلتْ عقولهم، وصاروا من خيَرة عباد الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون. إن الله تعالى خلق الخلق، وخلق السماوات والأرض، "فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين". فالسماوات والأرض وما فيهما من الأحياء وغيرها محكومة مطيعة لله تعالى، ومجبولة على طاعته بدون أن يكون لها خيار. وإن الله تعالى خلق الإنسان خلقاً يختلف عن خلق الكون كله، فخلقَه من طيٍن ثم سوَّاه ونفخَ فيه من روحه، ووهبه من المواهب الفكرية والعقلية ما لم يعطه أحداً من العالمين، ليكون عبداً لله بالإختيار. واقتضت حكمة الله سبحانه أن يرسل رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وبعث في آخرهم خاتم الأنبياء محمداً صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين نذيرا. و أوجب الله طاعة رسوله وألزم العباد الإيمان به والإمتثال بأوامره والإجتناب لنواهيه. وإن المسلم يجب عليه بعد الإيمان بالله وبرسوله أن يهتدي بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ويتأسى بأسوته الكريمة، في كل أمر من أمور حياته، ولا يخالفه في أمر مهما كان بسيطاً، ولا يتبع أحداً في حكمه الذي يخالف الكتاب والسنة، سواء صدر ذلك الحكم من حاكم جائر أو آمر مستبد أو مقتدر يملك الشوكة والسلطان. لأن غيرة المؤمن على الحق لا تسمح له إلا أن يتبعه. هذا الرسول العظيم الذي تغيَّر العالم كلُّه بأثره وبدلت الحال بالحال حتى إن الأعراب الجفاة تحوَّلوا في صورة أمة عظيمة. إن لهذه النبوة الجليلة – نبوة محمد صلى الله عليه وسلم – خصائص عظيمة، امتازت بها عن النبوات السابقة، وتجلّى بها نورها الساطع، نود أن نلخص بعضا منها فيما يلي: الخصيصة الأولى : إنها تنبني على أساس التوحيد الخالص لله في ألوهيته وربوبتيه وحكمه، وقد ركّز الرسول، صلى الله عليه وسلم، في قلوب المؤمنين أن الله وحده هو الخالق المالك الرازق المتصرف في جميع الأمور فهو المعبود بحق لا معبود سواه، وهو الموجود حقا لا موجود سواه، فكل شيء هالك إلا وجهه، وأن العبد المؤمن لا يتوجَّه إلى أحد سواه ولا يتوكَّل إلا عليه. أليس الله بكاف عبده. الخصيصة الثانية : إن صحبةَ الرسول، صلى الله عليه وسلم، هي التي غيَّرت الحياة في العرب كلهم، فتكونت من الأميين أمة عظيمة، وتحول الطين من نفَسه طاهراً، والذين آمنوا منهم إنما آمنوا بما رأوا من أسوته الحسنة وأخلاقه الزاكية، ولذلك اقتضت حكمة الله تعالى أن يرسل رسولاً يحمل معه كتاباً ليرى الناس آيات الله الباهرة يتلالأ في وجهه المنير. و ذلك لأن الذي يأتي إليه ويراه من قريب أحبَّه وآمن به وتغيَّرت حياتُه في نفس الوقت. فصحبته تجعل الخزف دراً والذي كان لا يملك شيئاً يصير قلبه مملوء اً بالحكم والمعارف، وتتحول الروح والجسد معا من شدة ما يجد في قلبه من التأثير العميق. الخصيصة الثالثة : إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو الواسطة الوحيدة بين المخلوق وخالقه، وهو حلقة الاتصال بين جبريل وما نزل به وبين الناس، فالإنسان إنما عرف ربَّه بتعريف الرسول له إيَّاه، ولو لا ذلك لتحير الإنسان في معرفة الحق وضلَّ في ذلك ضلالاً بعيداً. كما تحيَّرت الإنسانية في فترة من الرسل وغوتْ غوايةً عظيمةً، حتى إنهم عبدوا الأصنام والبقر والنجوم. الخصيصة الرابعة: الحكمة الإلهية أو الحكمة النبوية التي تعلو على عقول الناس كلهم، لأنها تعلم الناس أموراً لا تُدرك بالعقل، إنما تُعرف بالوحي الرباني، ومهبط الوحي الإلهي هو الرسول، صلى الله عليه وسلم. فهوالذي يعلِّم الناس ما فيه خيرهم وصلاحهم في أمور دينهم ودنياهم، ويُرشدهم إلى الحق ويهديهم إلى صراط مستقيم. والعقل الإنساني لا يستطيع إدراك شيء يتعلق بالغيب وأمور الآخرة، وإنه كثيراً ما يقع في الخطأ حتى في إدراك الحسيات. الخصيصة الخامسة : إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد حصل له الحب الكامل من أصحابه، ولكنه كان يتعامل معهم معاملة الأخ مع إخوانه، فيمشي بينهم ويجلس في مجلسهم فلا يترفع عليهم ولا يمتاز فيما بينهم، حتى إن السائل يأتي ويسأل " من محمد فيكم؟" فيجاب: " هذا الرجل المتكئ!" الخصيصة السادسة : كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، على خُلق عظيم، يهابه من يراه من بعيدٍ ويحبُّه من دنا منه وقرُب، وكان لشخصيته أثر كبير يتأثر به كل من رأه. وكان له تأثير عميق في قلوب الناس، فمن صحبه صار ذا شخصية عظيمة وتحول الخزف وصار دراً ثميناً أثمن ما يكون. وإنه كان شفيقا رؤوفاً رحيماً على أصحابه فرباهم تربية جعلتْهم ذوي قوةٍ عظيمةٍ وروحيةٍ أسمى، ففتحوا العالم المعلوم في ذلك الوقت في مدة قصيرة. الخصيصة السابعة : إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، علَّم أصحابه العزم والإستقامة، فقال لأحدهم: " قل آمنتُ بالله ثم استقم." وعلَّمهم كذلك التوكل على الله وتسليم الأمور كلها إليه والرضا بكل ما جاء من عنده. وهذه هي الحكمة الكليمية التي يريد الشاعر الإسلامي أن يركزها في أذهان المسلمين. * * * أيها المؤمن ! حطِّم سحر هذا المعبد القديم بهاتين الكلمتين: "ربي الأعلى" إن كنت تريد الفقر فلا تخف من قلة المال لأن العافية إنما تجدها في الحال ولا تجدها في المنصب والمال فإنما هو الصدق والإخلاص والمناجاة وحرارة النفس ولوعة القلب لا الذهب والفضة والأقمشة الملونة اقطع كل علاقة بالملوك والأمراء أيها الرجل الحي! قم بطواف نفسك و لاتتردد على بيوت الأمراء كانت منزلتك رفيعة جداً فسقطتَ منها أنت من ولد الشاهين فلا تكن من الغربان الطائر الذي يغرِّد في البستان هو الذي يبني عشَّه حيثما يشاء إذا كان مَسيرُ فكرك السماء كلها فلا يليق بك أن تكون أقل نصيبا من هذا الطائر عليك أن تبني السماوات التسع من جديد عليك أن تقوم ببناء العالم كله من جديد إذا أفنى المؤمن نفسه في رضاء الحق يكون رضاؤه موافقا لقضاء الله الجهات الأربع والفضاء الأزرق يتكونون من وجوده الصافي أفنِ ذاتكَ في رضاء الله مثل السلف الصالح واخرج الجوهر المكنون من الصدف وفي ظلام هذا العالم المسيطر نوِّر بصرك بنور الفطرة إذا لم تأخذ نصيبك من جلال الحق فلن تجد حظك من الجمال والسالك في طريق الحق إنما يحظى أولاً من الجلال ثم ينتهي في سيره إلى شأن الجمال والمؤمن الصادق هو الذي يتحلى بكمالات الوجود حقاً إنه هو الموجود أما غيره فليس له وجود بل له ظهور لأن المؤمن لو أدرك سر لا إله وحظى من الحب الإلهي بنصيب لوجد الكون مسخرا له حتى الشمس والقمر * * * إذا فهمتَ أيها المؤمن هذه الحقائق، فقمْ بإذن الله واتركْ كلَّ شيءٍ غيَر الله تعالى واقلَع من قلبك حبَّ الدنيا مؤذناً في الآفاق "ربي الأعلى!!" لأن قلب المؤمن لا يسع أن يتمكن فيه حبُّ الدنيا، بل لا يزال قلبه فارغاً لحب الله ورسوله، فإذا تفرَّغ قلبه لحبِّ الله ورسوله صار حراً، وصار رضاه تابعاً لرضاء الله تعالى. وإن كنتَ أيها المؤمن لا تريد الفقر فلا تخافن من قلة المال لأن المال ظل زائل، والعافية إنما تجدها في الحال لا في المال. والحال هو الكيفية التي يرضى فيها المؤمن برضاء الله تعالى، وإنما يحصل ذلك إذا كان المؤمن متبعاَ لجميع أوامر الشريعة، ويصير عنده الاتباع لكل ما أمر به الله ورسوله أمراَ طبيعياً، أو مثل أمر طبيعي، ويصير هواه تبعاً لكل ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. فاختر لنفسك صدق المقال وإخلاص القلب والدعاء والتضرع إلى الله. قم بطواف نفسك، ولا تقم بطواف بيوت الأمراء. إن الغراب هو الذي يأكل مطروحات الناس، أما الشاهين فيصيد لنفسه ولا يأكل من فريسة غيره. الطائر الذي يعيش في البستان، لا في قفص الصائد، هو الذي يبني عشه حيثما شاء، فلا تكن أنت أقل حظاً من هذا الطائرالحر الذي يطير بجناحيه حيث ما شاء. أنت أيها المسلم ! اصنع لنفسك عالماً جديداً، لأنك من خير أمة أخرجت للناس للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فكيف يليق بك أن تكون تابعاً مهملاً لغيرك. بل يجب عليك أن تملك أمورك، وتحصل على القدرة لتصنع هذا العالم غير العالم الذي تراه اليوم. ولكن هذه القوة ، إنما تحصل لك بعد أن تفني رضاك في رضاء الله تعالى، حتى ترضى بجميع ما قضى الله به من الأمور. فإذا تبدلت الحال بهذه الحال، تغيرت الأمور وانقلبت ظهراً لبطن، ويكون رضا المؤمن هو الذي يرضى به الله. وقد وقع ذلك بدون شك فالله تعالى أعلن في كتابه رضائه عنهم و رضاهم عنه. كن فانياً في رضا الله كما كان السلف أفنى نفوسهم في رضاه؛ قتنوَّر العالم كلُّه بنورهم وتلالأ ببريقهم. والحقيقة هي أن السالك في طريق الحق إنما يحظى من الجلال قبل أن يكون له نصيبٌ من الجمال، لأنه إنما بدأ بكلمة "لا" وهذه الكلمة هي كلمة الجلال، لأنها تنفي كلَّ شيءٍ غير الحق، وتنكر كل وجود غير وجود الحق، فإنه لا موجود إلا هو، ثم ينتهي السالك في سيره إلى شأن الجمال، وهو "إلا الله" فالإعتراف بوجود الحق والإقرار بالخالق والإيمان بالله هو الجمال! لا جمال فوقه! فالمؤمن السائر في طريقه إلى الحق من الجلال إلى الجمال، هو الذي يلبسه الله لباس الوجود. أما الأشياء التي نراها في الكون فليس لها وجود إنما لها النمو والظهور فقط. والمؤمن إذا أدرك سر "لاإله" ومُنح له نصيبٌ من الحب الإلهي لكان الكون مسخراً له حتى الشمس والقمر. " وسخر لكم ما في السماوات والأرض جميعا منه." * * * الحكمة الفرعونية لقد أوضحت لك حكمة الدين وأنا الآن أوضح لك حكمة الملوك والأمراء حكمة أرباب الدنيا إنما تكون مبنية على المكر والحيل يُستخدم هذا المكر وتلك الحيل لخدمة الجسد على حساب الروح هذه حكمة منقطعة الصلة عن الدين بعيدة عن مكان الحب ومنزلة العشق * * * قد أوضحت لك أيها القارئ الحكمة الكليمية، والآن أنا أريد أن أوضح لك الحكمة الفرعونية. والحكمة الفرعو نية تعبير لطيف وهي تشير إلى تلك العقلية المادية البحتة التي تعتمد على الأسباب المادية وتتكل على متاع الدنيا ونعيمها، فتبعد كل البعد عن جميع القيم الأخلاقية، وتخلو عن كل خير. والمجتمع الذي تسوده هذه الحكمة سرعان ما يتحول إلى مجتمع قاسٍ، يفرّ فيه المرأ عن أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل منهم شأن يغنيه؛ وذلك لأنه لم يبق له همّ غيرالسعي وراء المال الذي يحبه حبا جماً، فيجمعه ويعدّده ويحسب أن المال هو القدر الوحيد الذي يتضمن ببقائه وقيامه في هذا المجتمع. و يتغلب على هذا المجتمع قادة يقودون الشعب إلى الدمار والهلاك وساسة يسوسون الناس بأنواع شتى من المكر وألوان من الخداع وأجناس من الحيل شتى ذوات فنون. فسياستهم تكون دائما منقطعة الصلة عن أية علاقة بالروح بعيدة عن حبّ الله وعبادِه. * * * إنهم ينظمون المدارس ويدبرون أمرها ليتخرج منها عملاء يعملون لصالحهم العلماء في نظامهم يتكلمون بحديث جذَّاب يشرحون أحكام الدين بما يوافق أهواءهم تقع الفُرقة بين الأمة من كلامهم و لا علاج لسوء الحال إلا ضرب الكليم بعصاه وا أسفاه على مِلَّة صارت فريسة لمكر العدو فهي تعمل لصالح غيرها وفساد أمرها وهو مع تفوقه في الفن ودقة نظره في العلم لا يزال غافلا عن حقيقة وجوده لقد انطفأ نور الحق في وجوده والأماني تتولد في قلبه و سرعان ما تموت ينجبون أولاداً لا غيرة لهم أرواحهم في أجسادهم كالموتى في القبور شيوخهم بعيدون عن الحياء وشبابهم يتزينون مثل الإناث قلوبهم خاوية من المقاصد السامية كأن أمهاتهم ولدتهم أمواتاً لا حياة بهم الفتيات متبرجات لا هَمَّ لهن غير التزين قتَّالات العيون، مبديات حسنهن، مكثرات من التقاط عيوب الناس متزينات، متكشفات، فاتنات بقلوبهن حواجبهن مخطَّطة مثل السيوف يبدين سواعدهن ليحظَى المرء بالنظر إليها وصدورهن لها تموُّج مثل تموُّج السمك في الماء هذه الأمة صارت رمادا لا شرر لها نهارها كليلها مظلم بل أشد منه في الظلام لا يزالون ينهمكون في طلبهم للدنيا ليس لهم هَمٌّ سوى حب الدنيا وخوف الموت أغنياؤهم بخلاء يحبون المال حبَّاً جمَّاً يتفانون في مظاهر الحياة الدنيوية غافلين عن حقيقتها يتخذون القوة القاهرة معبوداً لهم و يبيعون دينَهم بثمن بخس لا يرون شيئا غير الحال التي يرفهون فيها وينظرون فقط إلى يومهم الذي يعيشون فيه حملون كتبَ آبائهم مفتخرين بها نعوذ بالله من قولٍ بلا عمل دينهم منُوط بوفائهم مع الأغيار كأنهم يبنون معبد الكفار من أحجار الحرم مبعَدون عن الحق كأنهم موتى لا حياة بهم ولا يعرفون أنهم فقدوا حياتهم * * * كان إقبال مفكراً عظيماً وفيلسوفاً كبيراً، يرى أموراً لا يراه غيره ويعبر عن الأشياء التي لا يهتم بها الناس بعبارات دقيقة، وأساليب بديعة، ويفسرها تفسيراً رائعاً جميلاً، فيبدو كلامه في قمة من الروعة والجمال. وكان إقبال غزير العلم واسع الإطلاع على العلوم القديمة والجديدة وعلى ما نقل في تراثنا من المعارف الصوفية، ومع هذا وذاك قد استفاد في أفكاره كثيراً من القرآن الكريم والسنة النبوية. وقد أكثر القرآنُ الكريم ذكر الأمم القديمة، فذكر رشدهم وهديهم إلى سبيل الحق كما ذكر غوايتهم وضلالهم، فأثنى على أولاها وذمّ أخراها. فنظم الشاعر في ’الحكمة الفرعونية‘ الأوصاف والخصائص التي تختارها الأمم الغاوية المنهمكة في التمتع بمتاع الدنيا والمنغمسة في اللذات والشهوات. فهذه هي الصورة الرائعة البديعة التي صورها ووضعها شاعرنا العظيم في أشعاره البديعة. إن هذه الحكمة الفرعونية الباطلة تتولد منها نتائج خطيرة تدمِّر كلَّ خيٍر تجده في المجتمع الإنساني، فتفسد حياة الإنسان بأسرها، من جراء ما يظهر منها من الشر والفساد، حتى يسري الفساد في عروق المجتمع مسرى الدم في جسم الإنسان، فيختل المجتمع ويصير فريسةً للفوضى والإضطرابات. وأعظم ما يقع الفساد إنما يقع في ناحية المناهج التعليمية والأحوال الدينية والأنظمة المالية، وظاهر ما لهذه الجوانب من الأهمية البالغة في تكوين المجتمع، فإذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع. فتُنظَّم المناهج التعليمية تحت سيادة هذه الحكمة على منهج يوافق أهواءهم، ويخرج منها عملاء يعملون في صالحهم، وليس عندهم فكر حرّ ولا قلب سليم. والعلماء في نظامهم يتكلمون بحديث جذَّاب لعامة الناس ويشرحون لهم أمر دينهم موافقاً لأهوائهم فيفسد هذا الحديث عقولهم ويزيدهم في الإختلاف على ما كانوا عليه من قبل. وأرباب المال منهم لا هم لهم إلا حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت. فلا يزالون منهمكين في طلب الدنيا وما فيها من المتاع . والنتيجة، هي أسوأ ما تكون! تكون الأمة فريسة مكر العدوِّ فتعمل في صالح غيرها وفساد أمرها فينطفئ نورُ الحق في قلوب الناس ويموت الحب، وتُفْقَد القيم العالية وتحلُّ مكانها الغرائز الحيوانية المسعورة. تنقلب الأمة إلى رماد لا نار فيه وإلى فساد أي فساد!! شيوخهم بعيدون عن الحياء وشبابهم يتزينون كما تتزين النساء، وتتبرج المرأة تبرج الجاهلية الأولى. * * * لاإله إلا الله أقول لك كلمة حق عرفتُها من أصحاب الحال أن ’لا‘ للأمة جلال و ’إلا‘ لها جمال إن ’لا ‘و ’إلا ‘ قوة كونية وسيطرة مادية وبهما تنفتح أبواب الكون كله هما مضمَران في كلمة كن وهما سر تقدير العالم وحركة الكون كله تنبع من ’لا‘ والسكون ينبع من ’إلا ‘ إن المرء إذا لم يدرك السر المخفي في كلمة ’ لا إله ‘ لا يتيسر له أن يكون حرا من عبودية غير الله إن بداية هذا الكون إنما هي من حرف ’لا ‘ فهي بداية العمل للرجل الصالح الأمة التي تستمد قوتها وحيويتها من هذه الكلمة تستطيع أن تنهض من جديد إن قول ’ لا ‘ أمام غير الله هو الحياة يحصل للكون حياة جديدة من هذا النداء ليس كلُّ امرئ يتأثر بتأثيره القوي فيشق جيبه من جنون الحب لا يحرق التبن في هذه النار لو ركزت الكلمة في قلب رجل حي، ظهرَ تأثيُرها وتأثَّر بها الكثيرون فينهضون معه للسير في طريق الحق إذا أردت أن يكون العبيد أقوياء في مواجهة من يملكون رقابهم فازرع في قلوبهم حَبَّة ’لا‘ لأنه إذا ركز في قلب أحدٍ حبُّ هذه الكلمة يرهبه الناس من هيبته رهبتهم ليوم القيامة إن حرف ’لا ‘ إنما هو ضرب متصل ليس صوتَ مزمار إنما هو صوت الرعد يفنى كل شيئ من شدة ضربه لتظهر أنت في عالم الوجود * * * أقول لك – أيها المسلم –النكتة اللطيفة التي عرفتُها من أصحاب الحال الذين صبَغُوا حياتهم كلَّها بالعمل لما يحبُّه الله ورسوله، وتمكَّن حبُّهما في قلوبهم، ورَضَوا بجميع ما صدر منهما من الأوامر والأحكام، أن كلمة "لا" جلال للأمة و"إلا" جمال لها، وإن "لا" و "إلا" هي القوة المستترة في كلمة " كن" التي ظهر منها الكون كله، فحركة الكون كله إنما هي نابعةٌ من "لا" وسكونه ينبع من "إلا". وإنه من الواجب على المسلم أن يُدرك السر المخفي في كلمة " لا إله إلا إلله" لأنه إذا لم يدرك هذه الحقيقة، حق إدراكها، لا يكون حراً من عبودية غير الله. فبداية هذا الكون إنما هي من حرف "لا" وبداية عمل الرجل المسلم هي كذلك من كلمة "لا". إن "لا" و "إلا" حقيقتان كبيرتان في الكون، يبتدئ المؤمن سيره في طريق الحق من "لا" وينتهي إلى " إلا". وهذه مسيرة طويلة شاقة محفوفة بالأشواك من جميع جوانبها، ويزود الشيطان سالكيها بكل وسائل الاغتيال والاغترار، فيزين لهم طريق الغواية والضلال ليبعد بهم عن طريق الحق ويضلهم ضلالاً بعيداً، يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا. إن "لا " إنكار لكل باطل ورد لكل فاسد ونأي وبعد عن كل شر وترك وهجرة لجميع ما نهى الله عنه من رذائل الأخلاق وخسائس الأعمال ومزلات الأقوال. هذه في الحق مسيرة طويلة يسلكها السالك إلى الله بجد وإخلاص، حتى إذا وصل إلى نهايتها بدأ بمسيرة أخرى، ألا وهي مسيرة "إلا" فيؤمن السالك بالله إيمانا خالصاً أنه المالك الرازق القادر على كل شيء، فلا معبود إلا هو ولا موجود إلا هو ولا مقصود إلا هو، وليس لشيء ما وجود حقيقي، إنما هو وجود زائل فان يستعير لمحات الحياة القصيرة من الحي الذي لا ينام ولايموت، وإن كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون. فمن الواجب على الأمة المسلمة أن تستعيد قوتها وحيويتها من هذه الكلمة لكي تنهض بها من جديد. وذلك لأنه إذا ركِّز المرءُ هذه الكلمة في سويداء قلبه لتغيرت حياته من شدة ما لها من تأثير قوي في النفوس والحياة، حتى إنك إذا أردتَ أن تجعل عبيد هذه الأمة أحراراً مرة ثانية فاغرس في قلوبهم بذر هذه الكلمة، يكونون أقوياء في مواجهة الظلمة الذين ملكوا رقابهم، لأنه إذا رُكِّز حبُّ هذه الكلمة في قلب أحدٍ يقوى قلبُه ويصيرُ له هيبةٌ يخاف منها الناس. إن كلمة "لا" رعدٌ شديد وضربٌ متصل، يفنى كلُّ شيء من شدة ضربها، ليظهر المؤمن القوي الغالب ويحصل له التمكُّن في الأرض. * * * أقول لك حديثاً عن أيام العرب لتعرف أنهم لم يكونوا شيئا فصاروا عظماء تحطمت اللاتُ و مناةٌ من شدة ضربهم فصاروا أحراراً من قيود الدنيا مع أنهم يعيشون فيها مزَّقوا كل لباس قديم وقتلوا قيصرَ وكسرى بأيديهم سطع بريقهم حيناً على البَرِّ وهطلت أمطارهم عليه ونزلوا كالطوفان في البحر في حين آخر العالَمُ كله صار كالحطب في نارهم إنما كان ذلك كذلك من شدة تأثير كلمة ’لا إله‘ إنهم تحرَّقوا شوقاً لتركيز هذه الكلمة في هذا العالم ليظهر العالم الجديد صوت الحق في كل مكان إنما هو أذانهُم وقتَ السَّحر فكل ما يوجد في العالم إنما هو من نتاج جهودهم اللالة، تلك الزهرة الجميلة التي تسطع بضوئها كالسراج أتوا بها من ضفة النهر التي نبتت بها أول مرة إنهم محَوْا كلَّ نقش في القلب إلا ما كان لله فظهرت من طينتهم حوادث عظيمة في العالم * * * وأقدم إليك مثالاً لما قلتُ لك آنفا،ً إن العرب قبل الإسلام كانوا في خمودٍ وذهولٍ، ولم يكونوا شيئاً يُذكر بين الأمم. ولكنهم بعد ما نهضوا بهذه الكلمة – لا إله إلا الله - وتمكَّنتْ في قلوبهم ورسختْ في وجودهم، تغيرت بها حياتهم وتبدلت الحال غير الحال. وما هي إلا أيام قلائل حتى نفضوا الغبار عن وجوههم، وتركوا تلك العادات السيئة التي ورثوها عن آبائهم، وانقلبوا انقلابا تاماً ففتحوا العالم كله، وبلغوا بهذه الكلمة إلى أقصى أنحاء العالم. حطَّمُوا كلَّ صنمٍ يُعبَد، وفتحوا البلاد العظيمة التي يملكها قيصر وكسرى. وقد تحرقوا شوقاً لتبليغ هذه الكلمة إلى أنحاء العالم وترسيخها في قلوب الناس، ليظهر في العالم كلِّه نورٌ جديدٌ من العلم والمعرفة. ودوَّى صوت أذانهم من أدنى الأرض إلى أقصاها ومحوا كل نقشٍ في القلب إلا ما كان لله. * * * هكذا ترى في عصر الإفرنج إنه قامت الحرب بين الملوك والعبيد قد نزَف الدمُ من قلب روسيا فخرج من داخله صوت ’لا‘ فسد النظام القديم ولم يبق من أثره شيء إنهم طعنوا قلب العالم طعنة دامية لما تأملت في أحوالهم وجدت أنهم أنكروا كلَّ شيء فصاحوا بقولهم لا سلطان ولا كنيسة ولا إله ولكن فكرتهم جمدت في ’لا‘ لم تَسْرِ بهم إلى ’إلا‘ سيأتي يوم تحصل لهم النجاة بقوة حبهم من هذه الريح الشديدة إن الحياة لا تستقر على ’لا‘ بل لا بد لها أن تنتقل إلى ’ إلا‘ إن الأمم تكون في حاجة إلى ’لا‘ و ’إلا‘ في وقت واحد لأن النفي بدون إثبات يكون سببا لزوال الأمم كيف يكون حب الخليل جادَّاً إذا لم تكن ’ لا ‘ دليلاً للوصول إلى ’إلا‘؟ يا من يخطب في حجرته من الواجب عليك أن تقول ’لا‘ أمام النمرود كل شيء أمامك ليس له حقيقة إلا أن تكون على معرفة من حقيقة ’لا إله‘ لأن من كان في يده سيف ’لا‘ يكون حاكما على الموجودات كلها * * * إن الأساس الذي أُسّست عليه ثقافة المسلمين وحضارتهم إنما هو الأصول التي وضعها الدين الإسلامي، فقد كانت حضارتهم حضارة مؤسسة على الدعائم الروحية وأصول الأخلاق، فازدهرت هذه الحضارة وانتشرت في أنحاء العالم واستفادتْ الإنسانية منها فوائد عظيمة في جميع مجالات الحياة، و اقتبستْ العلوم والمعارف من هذه المشكاة النيرة. وعلى العكس من ذلك نرى الحضارة الجديدة مؤسسة على أصول رأسمالية مادية بحتة لا تهتم بقيم الأخلاق الإنسانية، إنما كان همهم الدنيا و متاعها، فتنافسوا فيها تنافس البهائم وتنازعوا من أجلها منازعة شديدة وتحاربوا لها حرباً كبيراً. فحدثت من جراء ذلك أحداث سالتْ بها الدماء كالأنهار، وقامت الحرب بين العبيد والملوك. ونزفت الدماء من قلب روسيا فخرج من داخله صوت "لا" فأنكروا كلَّ شيء وأعلنُوا أن لا سلطان ولا كنيسة ولا إله! ولكن وقع الفساد في فكرهم إنهم توقفوا على قولهم "لا" ولم يسيروا في الطريق إلى الأمام فلم يقولوا "إلا". والحياة لا تستقر على "لا" بل لا بد لها أن تنتقل إلى "إلا" لأن الأمم في حاجة إلى "لا" و"إلا" معاً. وذلك لأن النفي بدون الإثبات لا تنفع بل يكون سبباً لزوال الأمة. ألا ترى أنه لو توقف إبراهيم الخليل على"لا" ولم يتواصل سيره في الحق إلى "إلا" لم تكن النار له برداً وسلاماً! أيها الخطيب المسلم ! هذا العصر لا يطلب منك أن تخطب وأنت جالس في حجرتك، بل هذا العصر يقتضي منك أمرا آخر، وهو أن تعلن أمام نمرود الوقت "لا". لأن من كان في يده سيف "لا" يمتلك كلَّ شيء. * * * الفقر وما أدراك أيها الإنسان المخلوق من الطين ماالفقر؟ هو القلب الحي الذي ينظر بنظره الدقيق في بواطن الأمور الفقر هو التأمل في الأعمال والفقر هو طوافٌ حول كلمة ’لا إله ‘ يفتح خيبر من يأكل قطعة من الرغيف بفقره ويتغلب على الملوك والحكام وهو في هذه الحال الفقر هو حبٌّ وشوقٌ وتسليمٌ ورضاً هذا متاع محمد وأنا أمين هذا المتاع الفقر يعلو على عالم الملكوت ويغلب كذلك على عالم الأسباب الفقر يُبلغك إلي مقام آخر وقد حوَّلك ألماسا بعد أن كنت زجاجا جميع ما عنده هو من القرآن فيملك في فقره كل شيء مع إنه يلزم الصمت في المجلس ولا يتكلم لكن نفَسَه الواحد له تأثير قوي يماثلُ مئات المجالس يمنح قوة الطيران للذين لم يتمكَّنُوا منه ويمنح البعوضَ قوةَ الشاهين الرجلُ الفقير ينازع الملوك حتى إن سريرهم يتضعضع من سجَّادته يملأُ الجو من صوت جنونه و يُعطي الناسَ المقهورين الحريةَ من الغالبين لايتخذ مقامَه إلا في الصحراء فيفرُّ الشاهين من الحمَام إن قلبه يحصل قوته من الحب والشوق ليعلن أمام السلاطين : ’ لا ملوك!‘ والحرارة التي نحسها في قلوبنا إنما هي من حرارة نفسه فتخمد شعلة النار من قوة نفَسه لايكون بين أفراد شعب نزاعٌ أو خلافٌ مادام فيهم أحدٌ من الدراويش نعتز باستغنائه حبنا ناشئ من شوقه ووجده انظر إلى نفسك في هذه المرآة لتفوز بسلطان مبين حكمةُ الدين هي حب الفقر والشوق إليه وقوة الدين إنما هي من استغناء الفقر * * * الفقر عند إقبال صفةٌ إيمانيةٌ قويةٌ وملكةٌ عظيمةٌ يعلو على عالم الملكوت ويغلب على الأسباب. وقد استفاد إقبال هذا المعنى من كلام الله عز و جل :" يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله." ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ’ الفقر فخري‘. فالناس يفتقرون إلى الله في كل ما يحتاجون إليه، لأن الله هو الخالق المالك الذي خلق الإنسان من طيٍن ثم سوَّاه ونفخَ فيه من روحه، فلمَّا كانت روحه قد جاءت من عند الله فهو مفتقر إليه في حاجاته كلها مادية كانت أو روحية، ولما كان الإنسان خلق من طيٍن ونفخ فيه النفخة الربانية، فهو في حاجة إلى تكميل مقتضياته الروحية كما هو مفتقر إلى تكميل حاجاته المادية، وتكميل مقتضيات الروح إنما تقف على الإيمان بالله. و في الحقيقة إن في الإنسان فراغاً- منشؤه الروح التي بين جنبيه - لا يملؤه علمٌ ولا فلسفةٌ، ولامالٌ ولو أعطي الدنيا كلها، إنما يملؤه الإيمان بالله والثقة به والتوكُّل عليه. فالإنسان دائماً مفتقر في توفير حاجاته كلها إلى الله تعالى. وهذا الإفتقار يقتضي عبوديتَه الكاملة وذلك بالذكرِ الدائمِ المتواصلِ لله تعالى‘ فالمؤمن لايخلو قلبه عن ذكر الله ولا يفتر لسانه عنه وجسمه وجوارحه يتوافقان توافقاً كاملاً مع قلبه ولسانه، فالروح والقلب والجسم والأعضاء تكون في طوافٍ مستمرٍ دائمٍ حول كلمة " لاإله". فالفقر هو الإيمان بالله الذي يدخل في بشاشة قلب المؤمن فيصبغ حياته كلها بهذه الصبغة‘ وتتلوَّن طبيعته بهذا اللون فيأكل قطعةً من الرغيف الجاف ويفتح خيبر ويغلب على الملوك والسلاطين وثيابه مرقعة من هنا وهناك. فالفقرُ حبٌ وشوقٌ وتسليمٌ ورضاً. والفقر هو متاع النبي الأمين صلى الله عليه وسلم وأنا أحمل هذا المتاع الذي أريد أن أسلِّمه إلى الأمة المسلمة. إن الفقر يؤثِّر في قلب المسلم تأثيراً عميقاً، ويخلق منه إنساناً آخر، يملأ الجو من صوته، ويمنح الضعفاء قوةً وحريةً لمقاومة الطغاة الظلمة. وذلك لأنه يحمل القرآن ويعمل بمقتضاه فيملك في فقره كل شيء. ولو إنه ساكت صامت ولكن حرارة نفسه لها تأثير عميق في الأحوال والحوادث. * * * وقد قال الرسول للمؤمنين: ’إنما جعلت لي الأرض مسجدا‘ (1) _ _ _ _ _ _ _ - 1) إشارة إلى الحديث: ’ جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا.‘ سنن أبي داؤد، الصلاة ، رقم الحديث 479- الرياض. ولكن وا أسفاه على مر الأيام وكر الدهور إن المسجد سقط في أيدي الغير أيها الرجل الطيب قم و جاهد لاسترجاع مسجد مولانا الرسول لا ترد بترك الدنيا ولا تتكلم بهذا فإن معنى ترك الدنيا في ديننا هو تسخيرها معنى ترك الدنيا عند المؤمن هو ركوبه مركب الدنيا فإذا خرج المؤمن من عنْصرَى الماء والطين فكأنه تركها الدنيا هي صيد المؤمن كيف تقول للباز ’اترك صيدك للآخرين‘؟ لا أجد حلا لهذه المشكلة كيف يبعد الشاهين عن الفضاء الواسع؟ أسفا على الشاهين لتركه أوصافه، لم يقع صيد فريسة في مخلبه و لم يضطرب من الألم يجثم في مكانه كئيبا حزينا ولا يطير بجناحيه في الفضاء الأزرق * * * وقد ورد في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ’ إنماجُعلتْ لي الأرض مسجداً ‘. ومن الواجب أن يكون المسجد محترماً عند المسلمين يكرمونه ويجلّونه ويطهرونه، والأمة المسلمة غفلت عن هذا الواجب عليها، ولكن من الأسف أن هذا المسجد (البلاد الإسلامية) قد سقط في يد غيرنا، فمن الواجب على الأمة المسلمة أن تستعيد قوتها وحيويتها، وأن تعمل بجد وإخلاص لنيل مقاصدها العظيمة. وليس المراد من الفقر ترك الدنيا، وإنما المراد منه خلو القلب من حبِّها، لأن القلب لا يتسع لحبين معا حب الله ورسوله وحب الدنيا، فالواجب أن يكون قلب المؤمن فارغاً من حب الدنيا، إذا توفَّرتْ لا يفرحْ وإذا فقدتْ لا يحزُن، عملاً بقول الله تعالى: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم". إن الرجل المؤمن الحرّ يشابه في أوصافه الشاهين لأنه يصطاد لنفسه ولايأكل من طعامٍ تركه غيرُه، ويطير في الفضاء البسيط الواسع ويبني عشَّه في مكانٍ عالٍ رفيعٍ لا تناله الأيدي. أسفا على الشاهين (المسلم) على أنه فقدَ أوصافه وقعد كئيباً حزيناً لا يطير في الفضاء البسيط! * * * الفقر في القرآن نظر المؤمن إلى ما يقع في العالم من الخير والشر الفقر لا يعني اللعب بالرباب والرقص والغناء ما هو فقر المؤمن؟ هو تسخير الكون الفقر يخلق في المؤمن أوصاف الكمال فقر الكافر هو ترك الدنيا والهروب من الحياة بينما البر والبحر يتزلزلان من فقر المؤمن هذا يطلب قرارة الحياة في الغار وشواهق الجبال وذاك يعانق الموت الجميل طلبه للحق إنما يكون بترك مطالب الحياة وطلب المؤمن الحق بوضع وجوده على سيف الحق فقر الكافر فناء النفس وفقر المؤمن إنارة وجوده مثل السراج إذا ظهر الفقر في الوجود زلزلت من هيبته الشمس والقمر ظهور الفقر هو بدرٌ وحُنين ظهور الفقر هو تكبير الحسين بعد أن فقدَ الفقر ظهوره فقد المسلم جلاله و هيبته * * * فقرالمؤمن تسخير الكون ! لأن المؤمن يعمل للخير ويجاهد لسعادة الإنسان وفلاحه، ويعمل بجميع ما يحبه الله ورسوله، وبهذا تحصل له قوةٌ عظيمةٌ وسطوةٌ كبيرةٌ يسخِّر بها الكون! أما فقر الكافر فهو عبارةٌ عن ترك الدنيا والفرار إلى شواهق الجبال والاختفاء في الغابات! الفقرعند المؤمن هو خلوُّ قلبه عن غير الله، فلا يلتفت ولا يميل إلى شيء غير الحق سبحانه، ولا يلتفت إلى خزائن كسرى التي ألقيتْ في مساء يوم في صحن المسجد، ولكن المؤمن قام ليصلِّي، وما أكل إلا قطعةً من الخبز الجاف، وما لبس إلا لباساً خشناً فيه رقعة من الأدم ورقعات كثيرة غيرها. فقر الكافر تسليةٌ له وراحةٌ لأنه ينجو به من الكدِّ في العيش والجهد في العمل. أما فقر المؤمن فهو عمل مستمر وسعيٌ دائمٌ وجهدٌ متواصلٌ وتفانٍ في سبيل الحق. فظهور الفقر هو بدر وحنين وظهور الفقر هو تكبير الحسين. * * * أسفا علينا وأسفا على هذا العالم القديم لا تحمل أنت سيف‘لا’ في يدك و لا أنا لا بد من خلوّ قلبك من غير الله اترك هذا العالم كله إلى متى هذه الحياة بدون الاعتزاز بالإسلام أيها المسلم! هذا موت وليس حياة ياصاحب الحق! أحْي قلبك لا تنظر إلى وجودك إلا بنور الحق قس نفسك بمقياس المصطفى لكى يظهر لك عالم جديد * * * أسفاً علينا، إن الأمة فقدتْ سيفها منذ دهرٍ طويلٍ، ونحن نحيا حياةً فاقدةَ العزة والسلام. وقد قال عمر رضي الله عنه : " نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام." فإذا التفتنا إلى غير الإسلام ذهب عزُّنا وفقد ملكُنا وسيطر علينا غيُرنا، فلا بد لنا من الرجوع إلى الذي فقدناه، فإذا اتبعنا هديَ الرسول، صلى الله عليه وسلم، واقتدينا به يجدد لنا العالم غير هذا العالم ويحيا المسلم فيه حياة جديدة ينظر فيها بنور الله. * * * يا أسفا على ملة الإسلام، سقطت من مكانتها الرفيعة يوجد فيها الأمراء والأغنياء و لا يوجد الفقير لا تسألني عن سبب زوال هذه الأمة فإن هذا أمر لا أستطيع الكشف عنه يشتد البكاء عليّ فيختنق الصوت في صدري، لذا أحبس هذه الداهية الكبرى في قلبي فلا أفشي بها إن المسلمين في هذه البلاد قد يئسوا من أنفسهم فليس لهم قائد يقودهم إلى طريق الحق منذ مدة طويلة فقدوا يقينهم الواثق بأن مصدر قوتهم هو الدين فأهلُ القافلة هم قطّاع الطرق الأمة تعاني الذلة والهوان منذ ثلاثة قرون حياتها فاقدة الوجد والسرور الروحاني فحياتها دنيئة خالية من الفكر الأعلى والوجدان الأسمى حتى لا نجد في المدارس و لا في معلميها ذوقاً علمياً أفكارهم الدنيئة تودي بهم إلى الهلاك تفرُّقهم يجعلهم يهربون من أنفسهم الأمة لا تدري مكانتها ولا تعرف طريقها فلم تبق فيها الحيوية والجد لانقلاب الحال فلم تَرَ منذ زمن بعيد رجلا ًخبيراً بالأمور فصارت لأَجْلها حزينة كئيبة محرومة من قبول الحق المسلم في هذا العصر كالرجل المطرود من مولاه مُفلس صعلوك غافل عن كل ما يهمه ليس عنده مالٌ يحصل به على السلطان ليس في قلبه نور يَتَّقي به كيد الشيطان رجال الدين تابعون للإفرنج مع ذلك لهم كلام مثل كلام بايزيد يقول إن المسلم يتحسن دينُه في حال كونه محكوماً بيد غيره فالحياة عنده منوطة بفقدان وجوده يظن أن دولة غيره رحمة في حقه فيرقص حول الكنيسة ويموت * * * أسفاً، على الأمة المسلمة التي سقطت من مكانتها الرفيعة، فلم يبْق لهم شيءٌ من الرفعة والعلى، وذاقوا كل طعمٍ من الذلة والهوان، ويعيشون حياةً دنيئةً خاليةً من الفكر الأعلى والوجدان الأسمى. وأنا أعرف سبب هذا الزوال والتقهقر، ولكني لا أتمالك نفسي أن أبوح به، لأنني كلما أردتُ أن أذكر هذا الأمر يشتد بي البكاء، ثم لا أملك نفسي ولا أستطيع أن أعبِّر عما أجد في صدري من الهم والحزن. وأسباب ضعف الأمة المسلمة وتقهقرها كثيرة متنوعة، فذكر شاعرنا الإسلامي ماكان مهماW منها، فيقول: إن الأمة تفقد القيادة الصالحة التي تقوم بأمورها وترشدها إلى ما فيه صلاحها منذ زمان طويل، فلم يبق فيها رجل بصير بعواقب الأمور، فتفرقت كلمتهم وتزعزعت قوتهم وتشتت شملهم، فهم في فوضى لا يرون الطريق. لم يبق في قلوب كثير من المسلمين تلك الحرارة الإيمانية التي جعلتهم قادة العالم وسادته، ففقدوا ما كان عندهم من الإيمان الكامل واليقين الواثق. إن المسلمين لا يزالون يعانون الذلة و الهوان منذ ثلاثة قرون، فأَثَّر هذا الحال في طباعهم فرضوا به واطمأنوا عليه فلم تبق فيهم الحيوية والجد والجهد لانقلاب الحال. إنهم فقدوا كل فكر أعلى ووجدان أسمى حتى لا نجد في المدارس ولا في معلميها ذوقا علميا.ً وإن ضعف حال المسلمين الاقتصادي صار سبباً من أسباب التقهقر والزوال، فالمسلم في هذا العصر كالرجل المطرود من مولاه، مفلس صعلوك غافل عن كل ما يهمه. ولم تبق جماعة العلماء مصونة من الزوال الذي نزل بالمسلمين عامتهم، فسقطوا من مكانتهم العلمية الرفيعة ولم تبق لمعظمهم سيرة طيبة وقدوة صالحة يقتدي بها المسلمون اللهم إلا نفراُ قليلا منهم وقليل ماهم. وخلاصة ما قاله إقبال إن الأسباب التي أدت إلى ضعف الأمة وسقوطها من مكانتها الرفيعة، هي هذه: 1- ضعف الحرارة الدينية و فقد الإيمان الكامل. 2- عدم و جود القيادة الصالحة. 3- تفرق المسلمين إلى شيع و أحزاب. 4- الجمود و الحرمان من الأفكار الحية الجديدة. 5- الضعف في الاقتصاد. * * * أيها المسلم الذي يخلو من الحب والشوق هل تعرف المشاكل التي أوقعَنا فيها هذا العصر ؟ إن هذا العصر جعلنا غافلين عن نفوسنا وجعلنا غافلين عن أسوة المصطفى وسيرته لم يبقَ حب الرسول في قلب المؤمن فانطفأ النور من مرآة قلبه فبقي لا ينعكس فيه النور لم تعرف ما أخفى لك هذا العصر في باطنه فخسرتَ خسارةً فادحةً وقبلتَ الهزيمة منذ البداية لما وقع فكرك فريسةً لحيله أصبحتَ لا تنمو في قلبك أمنية الحياة السامية فاحتسِب نفسَك ولا تكن من الغافلين قف ساعات قليلة و فكِّر في وجودك إلى متى تبقى في خوف وقلق واضطراب؟ قم وابحث لك عن مقام في هذا العالم حديقة كبيرة فيها أغصان عالية فلا تبْنِ عُشَّكَ في الأغصان الدانية أيها الغافل ! عندك أنشودة من أجمل الأناشيد اعرف نفسك ولا يكن تحليقك مع الغربان اجعل نفسك أحدّ من السيف ثم ألق بنفسك في يد القدر في وجودك سيل عظيم والجبل أمامه مثل التبن إن قوة البحر إنما هي في سيره المتواصل وقوفه لحظة واحدة ينطوي على عدم وجوده أنا لست بمُلاّ ولست بفقيه بالنكات عارف ولست أدري ما هو الفقر والتصوف نعم بصيرتي في الدين نافذة و لكنني بطيء السير فعملي ناقص وما عندي من القوة فهو في الحقيقة وهن ولكن القدر أعطاني قلبا مليئا بالنشاط وكشف لي رمزا واحدا من الرموز فخذ نصيباً من حرارة الحب في قلبي لأنه لا يأتي بعدي رجل فقير مثلي * * * أيها المسلم الذي خلا قلبه عن حب الله ورسوله! هل عرفتَ ما فعلَ بكَ هذا العصر؟ ألهاكَ عن أسوة الرسول وجعلَ قلبكَ خالياً من حب الله ورسوله، وأنتَ لا تدري ما كنتَ تُخفيه بين جنبيكَ، وما خسرتَ به بعد ما خلا قلبك من الحب والشوق والوجدان. إنك أيها المسلم، قد نسيتَ نفسكَ فلم تبْق بعد في قلبك الأمل في تغيُّر الحال وتطوِّره. إنك قد وقعت في الفريسة التي وضعها لك هذا الزمان وأصبحت لا تنمو في نفسك أمنية الحياة السامية. إلى متى تبقى في هذه الحال من الخوف من الموت والفزع على حرمان موارد الحياة، قمْ واصنع لك مقاماً يليق بك. احتسبْ نفسكَ ولا تكن من الغافلين! إعرف نفسك يا شاهين ولا يكن طيرك مع الغربان! إن هذه الدنيا وسيعة مملوءة بالإمكانيات الكثيرة المتنوعة فلما ذا تكتفي بالقدر القليل وتقتنع ببناء عشك في الغصن الدنيا ولا تحاول الوصول إلى الرفعة والعلى. وأنت أيها الغافل أنت تحمل رسالة خالدة عظيمة، وعندك شريعة باقية زاهرة، ففي وجودك سيل عظيم لايستطيع أن يقوم أمام الجبال العالية، والبحر في الحقيقة يستمد قوته من وجودك. والسِرّ المخفي في تلك القوة الكامنة في البحر، إنما هو من سيره المتواصل بدون توقف يسير، لأنه إذا وقف لحظةً واحدةً تنعدم قوته في تلك الآونة. فأنت كذلك لا بد لك من العمل الجاد المتواصل والسير السريع المسلسل لتصل إلى المكانة الرفيعة التي تستحقها. أنا أقد إليك النصائح_ أيها المسلم- مع إنني لست مصلحاً ولست أدري ما هو الفقر والتصوف. ولكن بصيرتي النافذة في الدين الإسلامي هي التي ترشدني إلى ما أقول، وذلك لأن الله تعالى أعطاني قلباً ذا حرارةٍ واضطراب، فخذوا عني حرارة الحب، سوف لا يأتي بعدي رجل فقير مثلي! * * * الرجل الحر الرجل الحر يكون قوياً بتأثير ’لا تخف‘ ،(1) يحمل السيف في يده والناس في ديارهم آمنون إن باطن الرجل الحر منَوَّرٌ بكلمة ’ لا إله ‘ فلا يكون عبداً لغير الله إن الرجل الحر مثل الجمل يحمل حملاً عظيماً ولا يأكل إلا قليلا يضع رجلَه على الأرض في تمكُّن راسخ حتى إن الأرض تتأثر من تَمكِّن قدمه عليها إنه إذا مات يحيا بعدذلك حياةً سَرْمَدية ويصير تكبيره غنياً عن الحرف والصوت فالذي يتصور الزجاجَ حجرَ الطريق يأخذ ذلك الفقير الخراج من الملوك فالحرارة التي تحيا بها إنما هي من آثار خمره ومسيل مائك إنما هو من بحره بعد أن فقد الفقر ظهوره فقد المسلم جلاله وهيبته - - - - - - - 1) إشارة إلى الآية الكريمة: " قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى." طه:68- إن الملوك في أزيائهم الحريرية الفاخرة يأتون إلى هذا الفقير العاري عن اللباس الكامل مصفرة وجوههم والدين عندنا خبرٌ وعنده نظر هو في البيت مستقر ونحن واقفون في فناء الدار نحن من يحبون الكنيسة ويبيعون المسجد وهو يشرب شراباً طهوراً من يد المصطفى لا هو رجل الخمارة ولا يحمل في يده كأس الخمر لم يبق لنا في الكأس شيء وهو مخمور بخمر " ألست" (1) حمرة الورد من حمرة وجهه دخانه أكثر نورا من نارنا يتردد التكبير في صدره إنهاضاً للأمم وتقادير الأمم مستكنة في أسرة جبينه نحن نتخذ الكنيسة قِبلةً حيناً ونتخذ المعبد قِبلةً حينا آخر هو لا يطلب شيئاً إلا من الله هو عبده ونحن عبيد الإفرنج لا تجد الدنيا في قلبه مكاناً لها نصبح ونُمسي في كدّ العيش والبحث عن أسبابه والنهاية ماذا؟ الموت المؤلم - - - - - - 1) إشارة إلى هذه الآية الكريمة:" و أشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى ." الأعراف: 172- يبقى حيَّاً بعد موته في العالم غير الدائم لأن الموت عنده مقام من مقامات الحياة صحبتنا تترك في أهل القلب أثراً سيئاً ويصير الورد في صحبته بعد قليل ذا قلب ينبض في جنبيه نحن نعتمد على الظن والتخمين أما هو فعملٌ كلُّه قليلٌ كلامه نحن ذو احتياج نمشي في الطرق طلباً للرزق وهو يحمل في يده سيفاً من ‘لا إله’ مع فقره نحن مثل الورق الجاف الذي يطيرّه الهواء وهو إذا ضرب الجبال ضربة تتفجر منها الأنهار فاترك مرافقتي واذهب إليه واتخذه رفيقك واترك هذه الدار واتخذ داراً جديدة لك لا تشكُ كرّ الأيام ومرّ الدهور عش عيشةً راضيةً بمرافقة ذلك الرجل الحر الصحبة خيرٌ من العلم الكتابي لأن مرافقة الرجل الحر تغيّر المرء وتجعله إنساناً الرجل الحر هو بحر عميق كبير فخذ الماء من البحر ولا تأخذه من الجدول الصغير صدره يجيش كالمرجل ويكون الجبل أمامه هباءً منثوراً يعيش في السِّلم مثل الرفيق النديم وحياته تكون مثل الربيع في الحديقة ولكنه في أيام الحرب يكون عارفاً قدرَه ويحفر بسيفه قبره نفسي فِداكَ اتركني اذهب إلى هذا الرجل الحرّ و رافقه في حبّ وشوق لا ينبتُ القلب في الطين والماء دون أن يتوجه إليه صاحب القلب قيمتُكَ لا تعادِل الورقَ الجاف الذي يطيّره الهواءَ حتى ترافق الرجلَ وتصاحبه * * * الغرض الأسمى في نظر إقبال للدين الإسلامي كله، وللشريعة الإسلامية بأسرها، أن يكون المرءُ عبداً لله بالإختيار، لأنه إذا اختار هذا الدين وهو راضٍ به وعملَ بالشريعة الإسلامية مع حبه لله ولرسوله، تتكوَّن في وجوده قوة عظيمة روحانية،- وهذه القوة الروحانية التي يُسمِّيها إقبال "خودي" (أنا)- وإذا وصلتْ هذه القوة إلى منتهاها، وبلغتْ " خودي" (أنا) إلى أقصاها، ينتج منها الفقر أي الإحتياج إلى الله وحده والإستغناء من غيره، وخلوُّ القلب عن كل حبٍّ سوى حب الله ورسوله، وإذا اتصف المؤمن بهذا الوصف حصلتْ له الحرية الكاملة، الحرية من الدنيا وحبها وما فيها من كدٍّ وكبد، وما انطوتْ عليه من ضنك العيش ومرارته. وهذا هوالرجل الحر! فالرجل الحر لا يخاف أحداً إلا الله تعالى، لأن باطنه منور من كلمة "لا إله " و إنه لا يزال ثابتاً في العالم الذي يتغير كل حين، فيحيا حياةً سرمديةٍ حتى إنه يبقى حياً بعد موته، لأن الموت عنده مقام من مقامات الحياة، له دويٌّ في صدره من التكبير وبهذا الصوت تستيقظ الأمم، وإن تقديرها مستترة في جبينه، لأنه دائم الإتصال مع خالقه وقد أفنى رضاه في رضاء الله. وقد ذكر إقبال في هذه القطعة من الأبيات أوصافاً عديدة للرجل الحر، نلخصها فيما يلي: الوصف الأول: الرجل الحر يقوم أمام الباطل بثباتٍ وعزمٍ وشجاعةٍ، لأنه يركِّز فكره على أمر الله تعالى : "لا تخف إنك أنت الأعلى." الوصف الثاني : ينظر في إحتياجه إلى الله ولا ينظر إلى سواه، فيملك الاستغناء عن غيره. الوصف الثالث : يبذل حياته، في سبيل الحق، ويستشهد بدمه إن قول الله هو الحق. " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا بل أحياءعند ربهم." الوصف الرابع : لا يملك شيئاً من أسباب الدنيا ومع ذلك يأتي إليه أرباب الدنيا خاضعين. الوصف الخامس : الناس يعرفون الدين وأسراره من الكتب وهو يرى ما هو مخفي من أعين الناس من الحكم والأسرار؛ لأن معرفة الله تعالى لا تحصل من النظر في الكتب، إنما تحصل بصحبة أهل النظر وأصحاب الحال. * * * في أسرار الشريعة تعلمت من مرشدي – الرومي – أسراراً فحفظتُها وأفنيتُ نفسي في هذه الأسرار إذا كان المال للإنفاق في وجوه الخير فنعم المال الصالح للمرء الصالح كما قال الرسول(1) إن لم تنظر في سرّ هذا الحديث فأنت عبد المال والذهب صلاح الأمة إنما يكون في أيدي الفقراء والغِنَى ربما يكون سبباً لفسادها الغنيُّ لا يحب الجديد بل يَبْغَضه فهو يريد أن يبقَى القديُم كما هو إن الخطأ في نظره هو الصواب وهو يخشى من التغيير و الانقلاب إن المالك أكلَ طعامَ العامل الفقير بل هتكَ حرمةَ بناته - - - - - - - 1) جزء من الحديث الطويل المروي عن عمرو بن العاص أنه قال: ’ بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذ عليك ثيابك و سلاحك ثم ائتني، فأتيته و هو يتوضأ ، فصعّد فيّ النظرثم طأ طأ، فقال: إني أريد أن أبعثك على جيش فيسلمك الله و يغنمك، و أرغب لك من المال رغبة صالحة، قال، قلت: يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال، و لكني أسلمت رغبة في الإسلام، و أن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو نعم المال الصالح للمرء الصالح.‘ مسند أحمد بن حنبل ج4 ص 197- والعاملُ الفقير يبْكِي أمامه بكاءَ الناي فهو لا يزال يبكي ويئنُّ ويشكو ليس عنده خمر في كأسه وليس عنده سكن يبني بيده القصور ويبيت هو في الطرق نعم المُنْعَم الصالح الذي يعيش عيش الفقراء، ويعيش في هذا العصر كما يعيش العارف بالله * * * إن الإسلام دين كامل يشتمل على جميع ما يحتاج إليه الإنسان من تعليم وإرشاد في حياته الدينية والدنيوية. فالإسلام يشتمل على العبادات التي تحكم الصلة بين العبدِ وربه، ويشتمل على الأخلاق الفاضلة التي تربي في الإنسان صفات حميدة عالية، ويشتمل على الأصول القيمة التي تقوم عليها العلاقات المستقيمة بين الناس، ويشتمل على تعليماتٍ رفيعةٍ تتعلق بالمال والإقتصاد، ويشتمل على قواعد محكمة للحكم والسياسة. فالإسلام يُرشدنا إلى أن نقوم بتنظيم المال والاقتصاد على أسس قويمة، أولاها أن يكون كسب المال وصرفه في الحدود التي حددها الله ورسوله. فيقول إقبال أنا تعلَّمتُ من مرشدي الرومي نكتةً بليغةً وهي أن المال صالٌح إذا كان حصوله من طريق الحلال وإنفاقه في وجوه الخير، كما ورد في الحديث الشريف، فالذي لا يكون عمله موافقاً لهذا الحديث الشريف ولا يفكر فيما يحتوي عليه من معانٍ ساميةٍ وأسرارٍ كامنةٍ فهو في الحقيقة فقير المال عبدٌ له. وصلاح الأمة إنما هو مكنون في الفقر لا في حب المال. وذلك لأنه كلما تمكَّن حب الدنيا في قلب رجل تتغير رؤيته إلى الأشياء وينقلب فكره، فيصير جباناً يخشى من تغير الحياة وتقلِّب الأمور وينقلب طمّاعاً بخيلاً بالمال يأكلُ لقمة الفقير ول ايستحيي منه. * * * إن الأمة التي لا تعرف السرّ المكنون في أكل الحلال تصير حياتها وَبالاً عليها وا حسرتاه إن الغرب ما أدرك هذا السر لأنه لا ينظر بنور الله لا يعرف الحرام من الحلال فصار من أجل ذلك نظره خاطئا وعمله فاسدا أمة تأكل على حساب أمة أخرى تزرع هذه وتسيطر تلك على المحاصيل معنى الحكمة عندهم سلبُ ما يجدون عند الضعفاء من أرغفة الحكمة عندهم سلب الروح من أجسادهم طريق الحضارة الجديدة هو افتراس جسد الإنسان وانتهاك حرمة آدم هو تجارةٌ عندهم هذه البنوك وهذه الحيل التي ابتكرها اليهود تذهب بالنور الذي يوجَد في قلب الإنسان حتى لا يَفْنَى هذا النظام بأسْرِه لا يبقى دين ولا تهذيب و لا حكمة * * * إن الاقتصاد الإسلامي إنما هو قائم على أساس الحلال والحرام، وهذا أساسٌ مهمٌ لوضع الاقتصاد الصحيح، وأصلٌ متيٌن لحفظ المجتمع من الفساد والضرر اللذان يقعان من عدم الاحتياط في أخذ المال والتصرف فيه، فيبتلي الإنسان بذلك في رجس المال ودنَسه. إن الناس في هذا الزمان لم يصلوا إلى إدراك هذه الحقيقة ولم يعرفوا السر الكامن فيها فانكبوا على حصول الدنيا ومتاعها دون أن يفرقوا بين الحلال و الحرام وبين ما يصلح لهم وما لا يصلح لهم. ولعدم تفريقهم بين الحلال والحرام أكلوا أموال الناس بالباطل، حتى صار عندهم أن الحكمة أن يسلبوا ما يجدونه عند الفقراء، وأن ينهبوا الملل والأقوام، وأن يفترسوهم افتراس الأسد الجائع، فلا يجتنبون انتهاك الحرمات ولا يبالون بأصول ولا قاعدة. ليس من الممكن أن يبقى الدين والتهذيب والحكمة حتى لا يفنى هذا النظام الفاسد. * * * إن المرء في هذا العالم المكوَّن من الخير والشر قلّما يعرف النفع من الضرِّ إنه لا يعرف الإحسان في العمل والفساد فيه لا يدري الصراط المستقيم من طريق الضلال إن الشرع ينبعُ من أعماق الحياة و ينبع منه نورٌ يذهب به ظلامُ الكون لو تيَّقنَ الناس أن الحرام حرام لانضبط العالَم إلى يوم القيامة هذا أمرٌ لا يتعلق بالفقهاء إنما يحتاج إلى وجهة نظر أخرى أن الشرع مبني على العدل وأنه لا بد من التسليم والرضا به أصله إنما نبع من قلب المصطفى نعم إن الفراق يحرق الفؤاد لو ظهر هو فلا تبقَ أنت لو أزعجك الفراق إلى حد كاد يفارق الروح الجسد من الواجب أن يقل طلب الوصل ويزداد طلب الرضا محمد أخبرنا عن طريق رضاه ليس في أحكام الدين شيءٌ غير أن يطلب رضاه عرش جمشيد مستكنّ تحت سجادة الفقير الفقر والسلطان كلاهما مَظهران لرضاه فأتمر بأمر السلطان ولا تأتمر بحكم غيره كأنك في الحرب ولست في مجال القيل والقال لا تلْوِيَنَّ عنقكَ عن حكمه ما استطعت فلو أطعتَه لأطاعك الناس اتبع الشريعة لتكون في أحسن تقويم كن وارثاً لإيمان إبراهيم * * * إن الإنسان في هذا العالم لا يستطيع أن يعرف الحق من الباطل وأن يميِّز بين الصلاح والفساد، وأن يعلَم ما فيه صلاحه ور شده. هذا أمر لا يُرشده إليه عقلُه، لأن العقل الإنساني مقيدٌ في دائرة الحس والمشاهدة ومحدود في ما يراه في هذا العالم فقط. فيحتاج إلى معرفة ما فيه خيره وصلاحه إلى نورالحقِّ المبين الذي يتجلّى في الشريعة الإسلامية بوضوح. إن منبع الشريعة الإسلامية هو قلب المصطفى صلى الله وسلم، الذي نزل عليه الوحي من عند الله الذي خلق الإنسان فيعرف جميع ما في الإنسان من ميولٍ ومقتضياتٍ روحية كانت أو جسمية، فالشريعة الإسلامية شريعةٌ تطابق فطرةَ الإنسان مطابقةً تامةً وتوافق طبيعته البشرية موافقة كاملة، فلو آمن الناس بها وسلكوا منهاجها المستقيم لضبط نظام العالم إلى يوم القيامة. * * * فما هو ’الطريق‘ أيها القارئ الكريم؟ الطريق هو النظر إلى الشرع من أعماق الحياة إن كنتَ تريد معرفةَ الدين الحق فانظر في أعماق قلبك إن كنت لا تعرف أسرار الدين فلا تبقى لك حرية لأن هذا النهج لا يكون سبباً فى الوصول إلى الله إن العبد إذا كان لا يرى الحق جلياً كالنهار لا يكون حراً من قيد الجبر والاختيار فغص في بحر فطرتك واتبع الحق ولا تتبع الظن و الهوى لتعرف السر المكنون في الخير والشر ولتعرف السر المستور في السماوات التسع من أخذ نصيبه من الرسول يصير بالقرب من جبريل يا مَن يفتخر بالقرآن العظيم إلام تجلس في حجرتك؟ قم واكشف للناس أسرارَ دينهم بيِّن لهم نكات الشريعة و أسرارها لا يفتقر أحدٌ إلى أحدٍ من الناس هذه هي النكتة الوحيدة في الشرع إن المدرسةَ و الملاَّ تحدثا بكثرة مع ذلك لم يفهم المسلمون هذه النكتة كان المسلمون أحياء ولكن ذهبت حياتهم بالتأويلات الفاسدة فخمدت في أجسادهم نار الحياة رأيت أهل التصوف وجرَّبت العلماء في المكتب ظهر من بينهم متنبئ في عصري لا يرى في القرآن شيئاً إلا نفسَه كلٌّ منهم يدعي المعرفة بالقرآن والسنة ولكنهم محرومون من البصيرة وعمق النظر في الشريعة العقلُ والنقلُ كلاهما في قيد الهوى منابرهؤلاء مصنوعة من الخشب فحسْب لا يُرجَى من خطبهم حلّ المشاكل لأن جيوبهم خالية من اليد البيضاء فسدت الأمم والأقوام كلَّها فلا بدَّ لك أن تقوم لقيادتها وتقدم أسوتك العملية الحسنة لها * * * يقول إقبال: أيها القارئ الكريم! قد عرفتَ الآن الشريعة وعلمتَ بعضاً من أسرارها، فما هو الطريق، ياترى؟ الطريق هو النظر فى الشريعة من أعماقِ قلوبنا، حتى نرى ونتيقن إنها نبعتْ من روحنا التي بين جنبينا، فهي موافقةٌ لفطرة الإنسان نابعةٌ من طبيعته. فإذا وجد المؤمن هذه الحقيقة وأدركها بتمامها، عرف طريق الوصول إلى الله، وأدرك أنه حر مختار في العمل بما أمر الله ورسوله، وإذا لم ير العبد هذالأمر جلياً واضحاً يظن أن الشريعةَ طَرَأَتْ عليه من الخارج وأنه مجبور على العمل بها فلا يبقى حراً من قيد الجبر والإختيار. إن بعضا من العلماء والصوفية يتكلمون عن الدين والشريعة ويدعون معرفتهم بالقرآن والسنة، ولكنهم لا يفهمون هذه النكتة. وقد ظهر من بينهم المتنبئ الكاذب الذي يدعي أنه جاء ذكره في القرآن، وذلك لأن القرآن قال:" يأتي من بعده اسمه أحمد." وكان في الحقيقة إسمه غلام أحمد ( عبد أحمد) القادياني، فبغي هذا العبد وطغى طغياناً كبيراً. أيها المفتخر بالقرآن إلام العكوف بدون العمل، قم واكتشف للناس أسرار دينهم ووضح لهم نكات الشريعة، والنكتة المهمة من هذه النكات هو أن لا يكون أحد من الناس مفتقرا إلى غيره. فسد العالم كله فقم وقدم إلي الناس أسوة عملية للحياة. * * * عبرات على افتراق المسلمين في الهند يا هملايا! يا أطك! يا بحر الكنك! إلى متى العيش هكذا عيشةً غير مَرْضيَّة؟! الشيوخ ليس عندهم فراسة المؤمن الشباب ليس عندهم نصيب من الحب الأمم كلها حرَّة في الشرق والغرب أما نحن فالعمل عندنا لصالح غيرنا حياتنا منصرفة لصالح غيرنا هذه الحياة موت و ليست بفترة من النوم العميق ليس ذلك الموت الذي ينزل من السماء إنما هو فناء ينشأ من أعماق وجودنا موت لا حاجة له للمُغسِّل ولا للقبر لا يفتقر إلى من يشيع جنازته من الأحبة والأقارب لا ينوح عليه أحد ليس له في السماء عذاب هذا موت لا يوجد له أثر في ميدان الحشر لأن عاقبته سوف تظهر في هذه الحياة من زرع للدنيا فعسَى أن يحصد فيها فماذا يبقى له بعد ذلك عند الحق؟‍ أمة لا تجد عزيمة و لا أمنية في حياتها ينمحي نقشها من الحياة بأسرها الاعتماد على الرئاسة والملك إنما هو نوع من السِّحر زجاجٌ يُرَى من السحر مثل الحجر في صلابته من أثر هذا السحر المبين أن المسلمَ لم يبق مسلماً والكافرَ لم يبق كافراً إن سكان الهند يتحاربون فيما بينهم الفتن التي ماتت منذ زمن بعيد أحيوها من جديد حتى إن قوماً من الغرب نفذوا وتحكموا في الأمور فقاموا مقام الحَكَم بين الكفر والإسلام ومثال حكمهم أنه لا يعرف أحد الماء من السراب انقلاب! انقلاب! انقلاب! * * * يخاطب إقبال أهل الهند ويقول لهم إلامَ تعيشون في ذُلِّ العبودية، قد تحرّرتْ الأقوام والملل وأنتم لا تزالون تعانون المصائب تحت سيطرة الأغيار. هذه حياةٌ تشبه الموت بل هي أشد منه لأن الموت أمرٌ يتعلق بالقضاء والقدر الذي لا دخل لنا فيه. أما هذا الموت فقد ألبسناه على وجودنا. هذا النوع من الموت لا يحتاج الإنسان بعده إلى المغسّل ولا إلى القبر. لايبْكي أحد على هذا الموت ولا يحتاج الميت أن ينتظر لحسابه إلى يوم القيامة. لأن هذه الدنيا هي مزرعة الأعمال، فما زرعْناه حصدناه. إننا كنا في اختلافٍ وافتراقٍ، وكنا في شقاق بعيد، فتغلَّبتْ علينا أقوام من الغرب وتحكمتْ في أمورنا وصارتْ هذه الدنيا مَعادُنا نعاني فيها أشد العذاب. ولم يبق لنا من الأمر بدٌّ إلا الإنقلاب! فيا للإنقلاب! * * * يا من يسعى عمره في طلب الدنيا اطلب من الخالق قلباً حياً نعم أنت تعيش في هذه الدنيا لكن السماوات التسع في طلب هذا القلب (1) لا تفهمَنَّ أن القلب خُلق من الطين إنما هو من أعلى الأفلاك هذا العالم له مثل حرم الحبيب للمحب فيشم من ورق اللالة رائحة الحبيب وهو في حرب مستمرة مع العالم كله يتفجَّر الحجرُ من ضرب قدمه يدرك حقيقة المنبر والصليب وهو حافظ لنوره سيلٌ يحتوي على البحور العظيمة إن موجة منه تخبرنا بطوفان عظيم حيٌّ باق بدون طعام وشراب يموت حينما لا يبقى فيه الحضور - - - - - - - (1) إن بعضاً من الصوفية يعدون العرش والكرسي في عداد السماوات فيجعلون عددها تسعاً، وقد أورد الرومي هذا المصطلح في كلامه، واتبعه إقبال. حيٌّ باق بدون طعام وشراب يموت حينما لا يبقى فيه الحضور فهو كالسراج في ظلمة الجسد تضيء منه الخلوة والمجلس القلب ينظر إلى وجوده ويستغرق دائما في حب الله ليس الطريق إليه إلا طريق الفقر والمعرفة أيها الشاب خذ هذه النصيحة بقوة، نشأتَ في العبودية ولكن لابد لك أن تموت وأنت حر * * * والانقلاب لا يتأتَّى إلا بعد الانقلاب في صدور الناس، لأن الله تعالى "لا يُغيِّر ما بقوم حتى يغيِّرُوا ما بأنفسهم". فاطلبْ من الله قلباً واعياً يشعر بالأمور على وجهها ويفهم عواقب الأحوال فهماً بليغاً. لا تفهمن أن القلب عضو مخلوق في جسد الإنسان، نعم هو كذلك ولكنه مع هذا محل الروح التي هي أمر من أمر الله، فإذا اتجه العبد بقلبه إلى الله، وتوكّل عليه، واتَّسَمْ بعبوديته الخالصة من دواعي الشك وشوائب الريب، ينعكس زجاجُ قلبه من نورِالبصيرة، فيصير مكانه فوق السماوات التسع. فالمؤمن الذي يحمل هذا القلب في صدره، هو الذي يتمكن من الانقلاب لأنه هو الذي تتفجر الأرض من ضرب قدمه، وهو السراج المنير في ظلمة الأرض. فطريق الانقلاب هو طريق المعرفة والفقر. فخذ أيها الشاب هذه النصيحة مني، ولاتموتنَّ إلا و أنتَ حرٌّ من ذلّ العبودية! * * * السياسة الحاضرة السياسة الحاضرة تشد قيود العبيد وتحكمها والحرية التي تراها خالية من البصيرة لما رأوا حماسة الجمهور وجهوده وضعوا ستاراً على وجه الملكية قالوا إن السلطنة للأقوام جامعة و أحكموا أمرَهم بهذه المقالة الخاطئة هذا الفضاء لا يسمح للطير بأن يفرد جناحيه و يطير حراً طليقاً ولا يمكن فتح هذا الباب المغلق بهذا المفتاح إن هذه السياسة تقول للطائر المحبوس في القفص اتخذ وكرك في شباك الصياد كيف يُرجَى للطائر الذي يبني في الصحراء عشه أن يكون آمنا من الطيور المفترسة‍‍؟‍ من سحرِه أن الطائر الذكي ركز هَّمه في الطعام حبس نشيده في حلقومه فلم يغرِّد إن أردتَ الحرية فلا تقربن من سياستهم الخادعة مت عطشاً ولكن لا تشربن قطرة من خمرهم حذار حذار من كلامهم الفاتن حذار حذار من حيلهم الماكرة إن العين التي تكتحل بكُحلهم تصير عمياءَ لا ترى النور و يتضاعف الجبُر على العبد المجبور حذار من الخمر التي تأتي من خَّمارته حذارمن لعب القمار مع جليس السوء إن الرجل الحر لا يكون غافلاً عن حريته و وجوده فاحفظ نفسَك و لا تأكلن حبةَ الأفيون التي يعطيها لك فقل أمام فرعون مقالة الكليم فيكون البحر يبسا من ضربك (1) * * * إن السياسة الحاضرة هي كالسياسات القديمة، تُسيطر على دهماءِ الناس وتضع في أرجلهم سلاسِلَ العبودية، وليست الحرِّيةُ التي تُقدِّمها إلى الناس وتُغريهم بها من الحقيقة في شيءٍ. فإن الأمم المستعمِرة لما رأت أن الناس شرعوا يستيقيظون من سباتهم الطويل، وبدأوا يفهمون أمورهم، أرخَتْ سِتارَ الديموقراطية الجميلة على وجه الملكية. هذا الفضاء لا يليق بطائر يريد التحليق في الفضاء الواسع الطليق. إن هذه السياسة تقول للطائر الحبيس في القفص: لتهنأَ بعيشِكِ في هذا المكان، تُعطى طعامكَ وشرابكَ من غير كدٍّ أوعَناء، و حذَارِ أن تفكر في الخروج من هذا القفص، لأنك لو خرجتَ منه لافترستْكَ الطيور ذات المخالب، فهنيئاً لكَ رغد العيش والسلامة من الموت. فانخدع الطائر بهذا الكلام المليح واقتنعَ بما يجده من الطعام والشراب، وحبسَ نشيدَه في حلقومه، فلم يغرِّد بعد. إذا أردتَ الحرية فلا تقربن سياستهم الخادعة وقل أمام فرعون مقالة الكليم: " ربُّنا الذي أعطى كلَّ شيء خَلْقَه ثم هدى." فيكون البحر يابساً من ضربك الشديد. * * * - - - - - - - - 1) إشارة إلى الآية الكريمة: " ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى." طه: 77- أنا حزين لمهانة هذه القافلة لا أرى في أميرها نورَ القلب إن أميرها عبد المال والمنصب ليس عنده البصيرة و ليس في قلبه ’لا إله‘ نشأ في الحرم ومُرَادُه الكنيسة قد هتك عنَّا رداء العزة من البله أن يتبعه الناس لأنه ليس في صدره قلبٌ منَوَّرٌ بنور الله فليس لنا سبيل إلا أن نعتمد على أنفسنا لأن الرجل لا يستطيع صيد الغزال بكلب أعمى وا أسفاه على قوم أغمضوا أعينهم عن ذواتهم مالت قلوبهم إلى غير الله و نسوا أنفسهم إذا مات الأنا في صدور قوم تَحَوَّل الجبلُ إلى ورق جاف تطيِّره الرياح نعم إن كلمة لا إله موجودة في قلب المسلم لكنه قلما يظهرأثرها في حياته العملية المسلم هو الذي إذا رآه الكافر أيقن أنه على الحق ترتعد الأرض بوضع جبينه عليها الذي كان يقول لا إله إلا الله في ظلال السيوف والذي إذا قُتِل نبتَ من دمه لا إله إلا الله لم يبق بعد عنده شيء من ذلك لا العشق و لا الوجد لم يبق في الحرم من له قلب ينبض بالودِّ أيها المسلم إلام تبقَى في هذا المعبد القديم أسيراً لمكائد الشيطان؟ لا يحصل لأحد الشوق والرغبة في الطلب إلا إذا قام الليل و ابتهلَ إلى الله بالدعاء في الأسحار إلام أيها المسلم تعيش في البحر كالورقة الجافة تعلم ضبط النفس حتى تكون راسخا كالجبال * * * وا أسفاه! على الأمة المسلمة، قد تبدلت الحال غير الحال وانقلبت الأمور رأساً على عقبها، وفقد الدرُّ المستنير بريقَه ولمعانَه وتحوَّل إلى حجرٍ أسود، فلم يبْق في الأمة المسلمة أحدٌ من أمثال أولئك الرجال الذين كانت قلوبهم منوَّرةٌ بحب الله ورسوله. والمسلمون في هذا العصر فقدوا جميع ما عندهم من أوصاف الكمال. أما الآن فهم ليسوا بشيء وماهم إلا عبيد الدرهم والدينار. فقد صاروا بعيدين عن الحرم واقتربوا من الكنيسة. إنهم فقدوا إحساسهم ومات شعورُهم بذاتهم ولم يبق أنا (خودي ) حياً في وجودهم. نعم إنهم يدّعون الإسلام بألسنتهم، لكنهم لا يأتون بشاهدي عدلٍ ( العمل الصالح و الخلق الحسن) على صدق دعواهم ولا يظهر أثرُ الإسلام في حياتهم العملية. وأنا أبكي بكاء حارّاً على هذه الحال. لم يبق ذلك المسلم الذي كان وجودُه برهاناً ساطعاً على الحق، حتى إن الكافر إذا رأه آمن برؤيته بأن دينَه هو الدين الحق. ذلك المؤمن الذي ترتعِد له الأرض إذا وضع جبينَه عليها، والذي كان يوحِّد الله في ظلال السيوف. فإلى متى تبقى- أيها المسلم- في هذا الحال؟ و ما ذا يكون الطريق للخروج منه؟ إن طريق الخروج من هذا البلاء المسيطر هو أن تحيي قلبك وتجعله خالصاًلحب الله ورسوله، وتدعو الله دعاءَ خاشعٍ متضرعٍ وأنتَ قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً ترجو الآخرة وترجو رحمة ربِّك. إلامَ تعيش كالورق الجاف الذي يطفو على سطح الماء؟ يجب عليك أن تتعلم ضبط النفس حتى تكون راسخاً كالجبال. * * * إن العاقل لا يبوح بأسراره إلى الآخرين لكنني لا أستطيع أن أخفي عنك ما رابني من الهم والحزن لمَّا كنتُ عبداً ونشأتُ في العبودية انقطعتْ مني الصلة بالكعبة حينما أصلِّي على الرسول يتقطَّرُ سائرُ وجودي من الندم لأن العشق يقول: وجودك محكوم بالغير صدرك مثل المعبد مليء بالأصنام التي تعبدها إذا لم يبق عندك شيء يدل على حب الرسول فلا تدنس اسمه الكريم بنطقك له في الصلاة عليه * * * الرجل العاقل ذو الحزم لا يبوح بأسراره، ولكنني لا أستطيع أن أخفي عنك ما رابَني من الهمِّ والحزن. وذلك لأن الصلة التي كانت متصلة بيني وبين الحرم، انقطعت بعد أن صرتُ عبداً للغير. يتقطر وجودي بعرق الندامة والانفعال كلَّما أردتُ أن أصلِّي على الرسول، صلى الله عليه وسلم. كيف أصلِّي عليه، بعد أن صار قلبي معبداً للأصنام؟! إذا كان وجودكَ خالياً من الأخلاق المحمدية فصلاتك عليه تكون بعيدة عن مراعاة الأدب في شأنه. * * * لا تسألني عن قيامي فليس فيه الحضور لا تسألني عن سجودي فهو خال من السرور إنَّ تجلِّي الحق ولو للحظة فهو من نصيب الرجال الأحرار إذا سجد الرجل الحر تطوف حوله السماوات نحن عبيد لا نعرف ما يستكنُّ في السجدة من جلال ولا ندري ما فيها من الجمال لا يُرجَى من العبيد أن يجدوا حلاوة الإيمان لا يُرجَى منهم ولو كانوا حفظة القرآن مؤمن ولكن يعمل عمل آزر الدين عنده و العلم قد اختلطا بالكفر لو أنك تجد في قلبك لوعةَ الحب فالصلاةُ إذن معراج المؤمنين إن لم يكن لديك جسمٌ يجري فيه الدم الحارّ فسجودك ليس إلا عادةٌ قديمة إن عيد الأحرار هو غلبة الملك و الدين وعيد العبيد ليس هو إلا هجوم المؤمنين * * * لما كانت الحياة محكومة لغير الله، فالصلاة صارت فاقدة السرور، فلم يبق في قيامي حضور ولم يبق في سجودي وجدٌ وشوقٌ. الصلاة هي منتهى العبودية والسجدة من أهم أركان الصلاة. نحن عبيدٌ لا نعرف ما في السجدة من جلالٍ وجمالٍ، وأنها عند ما كان المسلم الحر يضع جبهته على الأرض ساجداً لله، كانت السماوات تطوفُ حولَه. وما للعبيد أن يذوقوا حلاوة الإيمان إنما هي للأحرار وليس للعبيد. كنْ مؤمناً حقاً واحي في قلبك الحب الشديد ترى الصلاة – حقيقة- إنها معراج المؤمنين. * * * كلمات قلائل إلى الأمة العربية لتبقَ هذه الديار وهذه الصحراء إلى الأبد فمن ذا الذي أعلنَ لاقيصرَ و لاكسرى؟ (1) في هذا العالم الذي يتكون من الزمان و المكان ومن الأمس والغد من الذي تلا الآيات القرآنية أولاً؟ من الذي عرف السر المكنون في ’لا إله‘ أولاً؟ من أي مكان سطع هذا النور في بدايته؟ على مائدة من التقط العالَمُ العلمَ والحكمةَ؟ فيمن نزلت الآية فأصبحتم ؟ (2) من نفس ذلك النبي الأمي نبتت الأزهار في صحراء العرب حرية الإنسان إنما كانت من وجوده أعني أن حال الأمم مَدينٌ لذلك الماضي - - - - - - - - 1) إشارة إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ’ إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله.‘ صحيح البخاري، الأيمان، كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث: 2630- الرياض. - 2) إشارة إلى الآية الكريمة : " و اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا." آل عمران: 103- هو الذي خلق القلبَ في جسم الإنسان هو الذي كشف عن وجهه الستار حطّم كل معبود قديم طلعت الأزهار من ماء سمائه على كل غصن يابس الحروب الساخنة من بدر وحُنين ما هي إلا ظهور الصِّدِّيق والفاروق وعلي والحسين هم الذين صدعوا بكلمات الأذان إِبَّان النضال وهم الذين قرأوا الصافَّات (1) في ميدان القتال سيف الأيوبي و نظر بايزيد (2) مفتاحان لخزائن العالم العقل والروح تجليا من كماله اجتماع الذكر و فكر الروم والرَيّ إنما كانا منه والعلم والحكمة والدين والشريعة وتنظيم الأمور أما باطن الإنسان ففيه القلب المضطرب الحمراء والتاج لهما من حسن العالم الذي تمدحه الملائك _ _ _ _ _ _ _ - 1) إشارة إلى الآية الكريمة :" والصافات صفا." الصافات:1-والصافات هي الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد. - 2) صلاح الدين الأيوبي (1138-1193م.) مؤسس الدولة الأيوبية، أكبر ملوك المسلمين. و بايزيد البسطامي من كبار الصوفية عاش عيشة زهد و ورع طول حياته، وتوفي سنة 261 من الهجرة، و كثيرا ما يذكره إقبال كمثال للعارف الكامل. هذه كلها معجزة من معجزاته ومثل لتجلياته الكثيرة الظاهرالذي يراه الناس هو هذه المظاهر والتجليات أما الباطن فلا يُدرِك كنهه إلاّ العارف البصير فالمدح والثناء لهذا الرسول العظيم الذي نوّر قلب الإنسان بالإيمان * * * أيتها الأمة العربية! لتبقى بلادكم إلى الأبد! من ذا الذي فتح بلاد قيصر وكسرى وأعلن أنه ’إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده‘ ٌوقولوا لنا أيُّها العرب من هو الذي تلا الآيات القرآنية؟ ومن هو الذي عرف أول ما عرف السر المكنون في كلمة ’ لاإله ‘؟ ومن هو الذي قدَّم العلوم والحكمة إلى الإنسانية؟ ومن هو الذي نزلتْ فيه الآية القرآنية : "فأصبحتم بنعمته إخوانا؟" ذلك هو النبيُّ الأمي الذي إزدهرت بوجوده صحراء العرب، وأعطى الإنسان الحرية التي فقدها منذ دهور مديدة! معاركُ بدر وحنين إنما كانت لتظهر منها أمةٌ عظيمةٌ يمثلها الصديق والفاروق وعلي وحسين. هم الذين صدَعوا بكلمات الأذان أثناء الحرب، وهم الذين كانوا يتلون سورة الصافَّات – وهم في صفوف الحرب- وهم يقاتلون في سبيل الله صفاً كأنهم بنيانٌ مرصوصٌ. سيفُ صلاح الدين الأيوبي ووجدان با يزيد البسطامي كلاهما مفتاحان لخزائن العالم. هذا النبيُّ أعطى الإنسانية جميع ما تحتاج إليه من العقل والروح، ومن الذكر والفكر، ومن العلم والعمل، ومن الدين والشريعة، ومن الحكمة ونظم الحياة، والقلب المضطرب في صدر الإنسان! ترى ما يتجلَّى من الحسن والبهاء في قصر الحمراء وتاج محل! هذه كلها من المعجزات التي ظهرت على أيدي العرب! فالمدح والثناء كله لذلك الرسول الذي جاء من الله نوراً وكتاباً مبيناً ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى الصراط المستقيم. * * * إن الحق الذي جاء به محمد جعلكم أحدّ من السيف كنتم أعراباً فجعلكم ملوكاً تكتبون مقادير الأمم ترفعون أصواتكم بالأذان والصلاة و أنتم في الحرب و الضرب وفتحتم الشرق والغرب نعم كانت تلك الحال التي تجذب الناس إليكم وا حسرتاه على هذه الحال التي تنبئ عن قلق واضطراب تقدمت سائر الأمم الأخرى حولَكم و أنتم لا تعرفون حقيقةَ أمركم كنتم أمةً واحدةً فتفرقتم في أمم شتَّى فصارت وحدتكم في تحزب و شتات مَن فقد الثقة بنفسه مات مَن انحاز إلى غيره مات ما فعلتم بأنفسكم لم يفعله أحد إنكم آذيتم روحَ الرسول بهذه الفعال أيها الغافل عن سحر الإفرنج انظر إلى ما استقرَّ في أكمامهم من الفتن إذا أردت الأمان من خداعهم فاطردهم عنك و لا تقربنَّ منهم أبدا إنهم قد جعلوا الأمم في شتات بسياستهم وجعلوا وحدة العرب في تفرِّق واختلاف منذ أن وقع العرب في حبائلهم تَنكَّر لهم كل شيء وقست عليهم السماء انظر أيها العاقل نظرة تدبر في هذالعصر جدِّد روح عُمر في جسمك مرة أخرى إن منبع القوة ومصدرها هو الدين لأن الدين يقين وإخلاص وعزم كله ما دام ضميُر البدويِّ أميَن السر الإالهي ظلَّ حارساً للدين و محافظاً للفطرة كان طبعه السليم هو الميزان لمعرفة الخير والشر إذا تألق نجمه في السماء أفلت نجوم الآخرين قم وارحل عن السكن والصحراء والجبل والوادي اتخذ خيمتك في وجودك كن أسرعَ من الهواء الطليق في الصحراء سر بناقتك إلى ميدان الحرب هذا العصر إنما هو مَدينٌ لوجودك نشوتُه إنما هي من خمرك أنت الذي كشفتَ أسرار هذا العصر أنت الذي بنيتَ بيديك هذا العصر ولكن الإفرنج لما أخذوا بزمام هذا الزمان جعلوه كالعشيق الذي يفتقد الحياء والوقار فهو شراب سائغ حلو لكنه لا دين فيه و لا حياء ، فيمشي على غير هدي يا رجل الصحراء! قم و ابنِ العالم بناءً محكماً وقس كل شيء بمقياسك * * * إن الحق الذي جاء به محمدٌ، صلَّى الله عليه وسلم، قد جعلكم أقوياء غالبين على تقادير الأمم، ففتحتم الشرق والغرب، ولكن يا للأسف عليكم فقد نبذتم وراء ظهوركم ما كان عندكم من الخير الكثير في حال أن الأمم في هذا العصر تتقدم وتتطور، ومضيتم في تلك الحالة الراهنة من التفرُّق والتحزُّب والشِّتات. وما فعلتم لم يفعله أحدٌ قطّ، أنتم آذيتم روحَ الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالأفعال التي فعلتموها. أيها الغافل عن كيد الغرب ومكره، إنه هو الذي شتَّت وحدةَ العرب وتركهم في فوضى لا نجاة لهم. منذ أن وقع العرب في شبكةِ اصطيادهم ما حصلَ لهم الأمن والسلام في يومٍ من الأيام. انظر أيها العاقل وفكّر في عاقبة أمرك، إن هذا العصر الجديد مدين لكَ لأنك الذي وضعتَ الأساس لهذا العصر. يا رجل الصحراء قمْ وجاهدْ للحصول على تلك المكانة التي فقدتَها وإنما تحصلها بالإيمان القويم على هذا الدين والعمل بما يحبه الله ورسوله، كما حصلتها من قبل. ولن يصلُحَ أمرُ هذه الأمة إلا بما صلُحَ به أوَّلها. * * * فماذا نعمل بعد يا أقوام الشرق الإنسانية لاتزال تبكي مما نالته من الإفرنج المصائب التي نزلت إنما هي مما جنت أيديهم فما ذا نعمل بعد يا أقوام الشرق لتكون أيامُ الشرق مشرقةً مرة أخرى؟ ليظهر الإنقلاب في وجود الشرق ليذهب ظلام الليل وليضيء النهار يقتل الغرب نفسه بالسيف الذي صنعه لأنه وضع أصول اللادينية ونفَّذَها في العالم فهو كلب عقور في صورة شاة مسكينة لا يزال مختفيا في مخبئه لصيد الخراف الضعيفة المشاكل العالمية اليوم كلها من جرائه آلام الإنسانية وهمومها إنما هي بسببه إن الإنسان في نظره حيوان مادي لا غير تسير قافلة الحياة بدون أن تكون لها غاية * * * الإنسانية كلها داميةٌ باكيةٌ على ما تُعانيه من الآلام والمصائب التي نزلتْ عليها وهذه الحوادث والآلام التي تتساقط على الإنسانية كما تتساقط قطرات الماء من السحاب ليست إلا ما كسبت أيديها. ولكن طلائع الإنقلاب تتراءى من بعيد! فما ذا نعمل بعد أيتها الأقوام الشرقية لتكون شمس الشرق مشرقة من جديد. والآن وقد ظهرتْ بعض من العلامات التي تدلُّ على تغيُّر الحال وتطوُّره إلى أحسن حال من الذي كنا فيه. قد اتخذت شعوب الغرب أصول اللادينية لسياستهم وثقافتهم، وجعلوا ينظرون إلى الإنسان على أنه حيوانٌ ماديٌ فقط وليس له منزل يسير إليه. وهذا الأصل بمثابة سيفٍ يقتل حاملَه. * * * وجميع ما ترى أمامك أيها المسلم إنما هو من نور الله أسرارُ الأشياء كلها إنما هي من الله الرجل الحر هو الذي يرى في الكون آيات الله السر في هذا هو حكم النظر والفكر العبدُ المؤمن يستفيد من هذا الحكم أكثر فيكون أكثر رحمةً بالناس إنه يضيئ وجوده بنور العلم فيصير قلبه أكثر خشيةً لله إن علمَ الأشياء يعمل مثل عمل الكيمياء في وجودنا لكن تأثير العلم يختلف في الغرب عن تأثيره عندنا إن فكره عقيم وعقله خاطئ لا يميز بين الخير والشر إن عينه لا تدمع وقلبه في صدره كالحجر والحق أن العلم صار مهاناً عنده إلى حد أنه لو جلس الملَك الكريم في صحبته لانقلب إبليسا الحكمة عنده هي السيف القاطع في يده جُلُّ اهتمامه هو تدمير الإنسانية في هذا العالَم الذي يوجد فيه الخير والشر معا لا يفيد العلم والفن وهو في أيدي ناس لا خَلاق لهم وا أسفاه على الإفرنج وعلى النهج الذي وضعوه! وا حسرتاه على فكرتهم اللادينية‍! إنهم جعلوا العلم سحراً بل إنهم حولوه كفرا تظهر الفتن في كل مكان فخذ هذا السيف من يد الضارب الفتّاك يا من تعرف الفرق بين الروح والجسد حطِّم سحر هذه الثقافة اللادينية لتنعش روح الشرق في وجودك من جديد لتكون مفتاحاً للمعنى العقل إذا كان تحت حكم القلب يكون مؤيدا من الله و إن انفلت من أثر القلب يكون تحت تأثير الشيطان * * * المسلم ينظر إلى الأشياء بنور الله ويستنير وجوده بنور العلم ويكون قلبه خاشعاً متضرعاً إلى الله. ولكن الناس في هذا العصر فقدوا المقياس الذي يُمَيَّز به الخير من الشر. إن الرجل الحر هو الذي يرى في الكون آياتِ الله الباهرة فيستنير وجودُه بنور العلم ويكون من عباد الله الخاشعين . ولكن الحال في الغرب تختلف عن حال المسلمين، ليس عندهم يقين ولا إيمان ، جُلُّ ما هو عندهم هو الدنيا وما فيها. فصارتْ قلوبهم صلبة كالحجر وصارتْ أعينهم يابسة الدموع. إنهم أسَّسوا حياتهم على فكرة اللادينية، والعقل عندهم مكرٌ يستخدمونه للحصول على متاع الدنيا ولذاتها. ومن الواجب أن يقف المسلم ويغيِّر الحال غير الحال لتنتعش روح الشرق وتحيا مرة أخرى.العقل إذا كان تحت تأثير الهداية الربانية يكون موهبةً من الله تعالى وإذا صار تحت تأثير المادة تحوِّل إلى مكر ودهاء وكيد من الشيطان عظيم. * * * الحياة في كرب دائم في كل وقت أحوال الحبش تدعو إلى الاعتبار القانون عندهم و لا مجال للكلام فيه أنهم أباحوا للكلب العقور أكل الذئب لا بد من رسم قانون جديد في العالم لا يُرجَى من النبّاشين حل المشاكل ليس في جينوا شيء غير المكر والحيل همهم فيها أن هذا الصيد لك وذاك الصيدُ لي هناك أسرار وأحوال لا أستطيع أن أذكرها بأسرها لأنني لو كشفت عنها اللثام لعمَّتْ الفتنُ في العالم * * * كان إقبال شاعراً ذا حساسيةٍ مرهفة، تفزعه الحوادث وتجعله يفكر في عواقب الأمور، ويرى أنه من الواجب أن يرسم للناس قانوناً جديداً يحل مشاكلهم ويعطيهم الأمن والسلام. لأن الأنظمة القائمة، في الزمان الذي كان إقبال يعيش فيه، لم تغن شيئاً في حل المشاكل الإنسانية بل أدت إلى ازديادها. وإن الأمم الضعيفة لم تزل تناشد الإنسانية أن تقوم لحل ما نزل بها من المشاكل والمصائب، وفوق ذلك كله هناك أحوالٌ لا أستطيع أن أذكرها جميعها لأنني لو ذكرتها وكشفتُ اللثام عن خفايا أمورها لنجمت منها الفتن! * * * فيا أسير اللون طهِّر نفسك من اللون كن معتمدا على نفسك و لا تعتمد على الإفرنج النفع والضركلاهما في يدك إن شرفَ الشرق في يدك وحِّد هذه الأمم القديمة وارفع رايةَ الصدق والصفا حياةُ أهل الحق إنما تكون إذا كانوا أقوياء والقوة إنما تكون في الاتحاد والرأي بدون القوة سحر و مكر والقوة بدون الرأي جهل وبله * * * الأمة المسلمة تحتاج إلى تغيير لونها بلون جديد، وعليها أن تصبغ وجودها بلون غير هذا اللون. فيجب عليها أن تترك ما تجده في نفسها من حب الدنيا ومتاعها الفاني. فيا أيها المسلم! اختر لنفسك حياة أهل الحق وكن قويا بالاتحاد لأن شرف الشرق وتقديره إنما هو في يدك. فأنت تحتاج إلى فكرٍ سليمٍ مستقيمٍ وقوةٍ ماديةٍ تسطيع بهما أن تنهض من جديد، ولتتنهض معك الأمم الشرقية الأخرى. * * * العشق والحب والإحساس والوجدان في آسيا و الشراب الصالح وكأسه في آسيا نحن أعطينا العشق رونقا بهيّا وبالحب علّمنا الناس الإنسانية العلم والدين هما من أرض الشرق حتى إن السماء لتحسدها لما لها من الفضل العميم كشفنا كل ما كان مستوراً في الحجاب نحن من جانب الشمس وهي تطلع من جانبنا الجوهر في الصَّدَف إنما يكمُنُ فيه من مطر سمائنا إن عظمة البحر هي من طوفاننا وقد رأينا روحَنا في أغاني البلبل الحزينة رأينا دمَ آدم في الوردة الحمراء إن فكرنا هو الذي كشف عن أسرار الكون نحن الذين ضربنا لأول مرة علىأوتار الوجود نحن الذين نحمل في صدورنا نارَ العشق وقد وضعنا هذا السراج على الطريق أيها الأمين على الدين والثقافة أخْرِج من جيبكَ اليدَ البيضاء قم وحلِّ مشاكلَ الأمم واطرح عنك النشوةَ التي وجدتها في خمر الإفرنج شكِّل جمعية الأقوام الشرقية وتحرر من السيطرة الشيطانية * * * لم تزل أرض آسيا مهبطُ الوحي والإلهام منذ زمانٍ قديم. إن الأنبياء والرسل الذين جاؤا لهداية البشرية وإنقاذها من الضلال إنما بعثوا في هذه الأرض. وكذلك الأولياء والعباد والزهاد إنما ظهروا فيها. فمركز العلم والعمل والدين، والرقي والتطور في جميع العلوم والفنون التي ظهرت وتطورت في العالم بأسره إنما كان مصدرها الشرق. والعشق والوجدان والحب ما وُجدت إلا في هذه الأرض، حتى إن السماء لتحسد أهلها عليها لما لها من فضل الله العميم. إن فكر أهل الشرق هو الذي كشف لأول مرة عن أسرار الوجود وأدرك ما كان مستتراً في الوجود من الحكم والأسرار. نحن الذين نحمل في صدورنا نار العشق ووضعنا هذا السراج في الطريق فالناس في العالم كله إنما اهتدوا بضوء هذا السراج وعرفوا منا العلم والحكمة. فيا أيها الأمين أخرج من جيبك اليدَ البيضاء – كما أخرجها موسى أمام فرعون - لتتنوَّر بها حياتُك مرةً أخرى. قمْ وقدِّم الحلَّ لتلك المشاكل التي تعانيها الأمم الشرقية كلها وفكِّر في تشكيل جمعية الأقوام الشرقية. * * * عرفتَ الإفرنج وعرفتَ كيدهم فإلى متى تبقى محبوساً في قيدهم؟ الجرحُ منهم وآلة الجراحة منهم وخياطة الجرح منهم يسيل الدم من جروحنا ونحن نرجو الدواء منهم إن سطوة الملكية وقهرها إنما جاء في عصرنا في صورة التجارة شركة قائمة بين مصطبة الدكّان وبين تاج الملكية فالتجارة لتحصيل الفوائد والملكية لجمع الخراج عجباً من هؤلاء أنهم حكام وتجار في وقت واحد! يُظهرون بلسانهم الخير ويكتمون في قلوبهم الشر لو عرفتَ حقيقة الحساب عندهم لعرفتَ أن صوفَك أغلَى من حريرهم امض في الطريق و لا تلتفت إلي صنعهم لا تشتر الثوب الثمين منهم ولو في الشتاء دستورهم أن يقتلوا الناس بدون ضرب و لا حرب يموت الناس في مصانعهم لكى لا تتوقف لا تعطهم حصيرك بدل السجادة لا تعطهم بَيْدَقَكَ بدل فَرْزِيْنِهم جوهرُهم معيب و دُرُّهم مَشين ومسكُهم مأخوذٌ من سُرَّة الكلب نومك في خميلتهم لا يكون هادئاً لأن لون هذه الخميلة وجمالها يسلبان منك كل شيء وقد تعقدتْ مشاكلك كثيرا باتباعك لهم فلا تتخذ عمامتك من قماشهم مهما كان جميلا ما شرب أحدٌ من ذوي العقول خمراً من كأسهم ومن شرب مات هنالك في الحان تلعب الابتسامة على وجوههم و لا يرفعون أصواتهم بينما يبيعون ما عندهم من المتاع ونحن أمثال الأطفال نسرع إليهم لنشتري منهم الحلوى يعرفون ما يجد المشتري في قلبه من الأماني وا عجباً‍ أسحر هذا أم تجارة؟ تجار العطور والألوان ربحوا في تجارتهم وكنا محرومين من النظر والبصر فرجعنا بخسارة فاضحة أيها الرجل الحر بع كل ما ينبت من أرضك واشتر به والبس ما يوجد من اللباس عندك إن أهل البصيرة من ينظرون إلى أنفسهم كانوا يصنعون أرديتهم من الصوف بأنفسهم أيها الغافل عن مكر هذا العصر انظر إلى أهل الغرب و مهارة فنهم يصنعون السجادة من الإبريسم الذي يوجد في وطنك ثم يبيعونها لك إنه قد صار نظرُك مسحوراً من ظاهرهم قد صرتَ مسحوراً من لمعانه وبريقه وا أسفاه على البحر الذي لا يموج يشتري اللؤلؤ- وهو من قعر بحره- من الغواص * * * الأمم القوية المسيطرة على الأمم الضعيفة تختار لغلبتها وبقاء سيطرتها أصنافاً من الحيل وأنواعا من الغشّ والكيد، فيجب على الأمم الشرقية أن تكون على حذر منها لكيلا تقع فريسة في حبائل مكرهم. غريب أمرهم يَجْرحُوننا ويقدمون لنا دواءً شافياً من بلادهم. تسيلُ دماؤنا بالجروح والقروح التي تركوها في أجسامنا ونحن نرجو منهم الدواء ظناً منَّا بأنَّ فيه شفاء لأسقامنا. هلاَّ عرفتَ إن الملكية التي جاؤا بها ما هي إلا جلبابٌ دقيقٌ على ما أرادوا من نهب أموالنا وسلب ما في أيدينا. شركةٌ قامتْ على دهليز الدكان واشترك صاحب الدكان والسلطان في اكتساب الأموال الهائلة. هذا يتَّجر ويحصل المنافع الزائدة على مال تجارته، وذلك يسيطر على وجود الناس ويطلب منهم الخراج. عجباً على هذا التوافق والإلتئام بين التجارة والحكومة، وفي الحقيقة إنهم يكيدون كيداً. يرفعون أصواتهم عند بيع ما عندهم من الخزف، ونحن نسارع إليهم في رغبةٍ وشوقٍ، مثل الأطفال الذين يسارعون إلى بائع الحلوى، وهم مطمئنون على ما عرفوا من الأماني المستترة في قلب المشتري. لو عرفتَ هذا فلا تشترِ منهم شيئاً مهما تراه جميلاً واكتف ما عندك من المتاع مهما كان متواضعاً. عرض في جناب الرسول صلى الله عليه وسلم ( في الليلة الثالثة من شهر إبريل سنة 1936م، كنت في بلدة بهوفال فرأيت في المنام السيد أحمد خان رحمه الله يقول لي انظم أبياتا في التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم) (1) يا أيها الذي هو ملجأنا نحن الفقراء كيف السبيل إلى نجاة المسلمين من خوف الموت؟ إنك أحرقت اللات و مناة القديمة جددتَ هذا العالم القديم في عالم الإنس والجان باسمك صلاة الفجر وبه الأذان حظ الألم والسرور إنما هو من لا إله النور في ظلمة الفكر إنما هو من لا إله ما اتخذنا العجل أو البقر إلهاً قط ما سجدنا أمام الكهنة قط ما سجدنا أمام القادة والزهَّاد لم نطف حول الأمير والسلطان هذا كله من جم فضلك فإن فكري منقاد لك ومدين لإحسانك - - - - - - - - 1- سير سيد أحمد خان ( 1817-1932) أعظم مصلحي المسلمين في الهند. أنشأ أول جامعة للمسلمين في هذه البلاد وشجع المسلمين ووجههم إلى الإنتفاع بالعلوم الجديدة. ذكركَ متاعٌ للذوق والإنتشاء يعيش به القوم مع فقرهم مستغنين عن كل شيء أنت المنزل والمقام لكل سائر يمتلئ بحبك قلبُ كل سالك مات الصوتُ في معزفي فلا يعلو منه النشيد مع شدة الضرب عليه تجولت في أطراف الأرض وطفت بالعرب والعجم فما وجدت المصطفى ولكن أبالهب موجود في كل مكان هذا الشاب الفطين الذي نشأ في دار المسلمين باطنه مظلم وقلبه غير مستنير شبابه ناعم مثل الحرير و قلبه خال من الفكر وإن وجد لا يبقى إلا أن يموت هذا عبدُ ابن عبد ابن عبد فأنَّى يأتي له الفكر الحر؟ المدرسة اختطفت منه دينَه أنا أعلم من وجوده أنه كان ولم يبق بعد لا يعرفُ نفسَه ولكنه يحب الإفرنج فيطلب الرزقَ اليسير منهم باع نفسه الزكية ثمناً للرغيف منَحَنا حزناً و ألماً و أسفاً يلتقط الحبة كالطائر في القفص لا يعرف الفضاء الأزرق أذابته نارُ الإفرنج فحوَّلته من شيء إلى شيء آخر والأستاذ ليس له نظر و لا بصيرة فلم يخبره عن مكانه في هذا الكون نعم هو مؤمن ولكن لا يعرف حقيقة الموت وقلبه يخلو من سرِّ لاغالب إلا الله مات قلبه بين جنبيه فلم يبقَ له هَمٌّ غير الأكل والنوم يؤذي نفسه لرغيف واحد يحصّله تارةً و لايحصله تارةً أخرى فيتملق أناساً كثيرين لأجل بطنٍ واحد يشتري من الإفرنج اللاتَ ومناة همُّه يدور حول السومنات وهو مؤمن قل له قم بإذني ليكون حيَّاً ليحيى قلبه بكلمة الله المسلمون كلهم أسارَى ثقافة الغرب نحن مقتولون بدون ضرب ولا حرب أنت من قوم تُكْسَر الجامُ عندهم ليظهر عبد كامل لله ليرى المسلم مرة أخرى نفسه وليفهم أنه يفوق العالم كله * * * إن خوف الموت شديد على الإنسان حتى إنه لوعرف وقت موته لمات في حينه،ولذلك أخفى الله تعالى -رحمةً على عباده- وقت الأجل. وخوفُ الموت هو العائق الكبير في نيل الأمنيات العظيمة، لأن الموت يورثُ الجبن. والجبن يخلق في قلب صاحبه الفرار من الموت، وينبعث حب الدنيا وكراهية الموت من هذا الفرار، فلا يقتحم في عظائم الأمور ولا يبقى بعد ذلك في قلبه الميل إلى تضحية نفسه وماله لنيل المقاصد الجليلة. وأصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إنما أفنوا حياتهم لأجل نشر الإسلام وإعلاء كلمته، لأنه لم يبقَ في قلوبهم خوف الموت، فيا أيها الذي هو ملجأنا وملاذنا، كيف تكون النجاة من خوف الموت. يا رسول الله ! إنك جددتَ العالم ومحوتَ من العالم عبادةَ الأصنام. فما عبدنا غبر الله يوماً من الأيام قط. فضلكَ علينا عميم، ففكري منقادٌ لكَ ومدينٌ لإحسانكَ، أنت المنزل والمقام لكل سالك، يجد قلبه مملؤاً من حبك. وا أسفاً عليَّ مات في قلبي ذلك الحب العميق الذي كنتُ أجد فيه نوعاً من السرور الذي كانتْ ترتفع منه الأناشيد. أسفاً على شباب هذه الأمة إنهم نشأوا في بيت المسلم الذي صار قلبه ميتاً في العبودية وحب الإفرنج، فنسيَ نفسه ولا يعرفها. شبابه ناعمٌ مثل الحرير ولكنه لا يفكر في العواقب والنتائج. إنه قد باعَ نفسه في عوض لقمةٍ من الرغيف، وا أسفاً عليه، طائر يحب القفص ولايحب أن يطير في الفضاء بجناحيه. مات قلبه بين جنبيه ولم يعد واقفاً بالسر المخفي في ’لا غالب إلا الله ‘. الرجاء منكَ أن تمنح هذه الأمة الساقطة الهابطة مرةً أخرى العبوديةَ الكاملةَ لله لتكون الأمة حرة من عبودية غير الله. * * * يا أيها الفارس ! مهلاً لا ترحل ليس من السهل أن أعِّبر عما في نفسي من الشوق لست أدري هل أستطيع أن أبوح بمرادي أو لا لعل الشوق يحكمه الأدب أمنيتي تقُولُ تقدَّم وقُلْ والأدب يقول مه! اسكت! ليس لك إلا النظر إن هذا الكون كله يدور حولك أرجو منك نظرة التفات جميع ما عندي من الذكر والفكر والعلم والمعرفة هو مِن جودك السفينة والبحر والطوفان عندي إنما هي من لطفك غزال ضعيف بدون حيلة وقوة لم يرد أحد في الزمان اصطيادي يا مَن طريقُكَ المبجَّل ملجئي قدجئت إليك بمطلبِ * * * يا رسول الله ! في نفسي آمالٌ وفي قلبي شوقٌ، لستُ أدري هل أقدر أن أعبر عما أجد في نفسي من الشوق. أرجو أن أبوح في جنابك بما في قلبي من الأماني الكثيرة ولكن الأدب لا يسمح لي بأن أقول ما أريد. أرجو منكَ نظرةَ لطفٍ وعنايةٍ وكرمٍ. وقدجئتُ ملتمساً إلى جنابك! * * * لم يبق ذلك النشيد الذي كنتُ أعتاده ولم تَبق في نفسي قوة الكلام التي كانت عندي من قبل الأناشيد التي كنتُ أغنِّي بها حُبست في جوفي فصوتي لا يعلو من صدري والنفس لم يبق فيها ذلك الألم الناشئ من الحب لم يبق بعد ذلك السرور الحاصل من تلاوة القرآن الدعاء المضطرب الذي لا يسعه قلبي إلام أحبسه في صدري؟ يحتاج لظهوره الفضاءَ الواسع عسى أن يسع السماوات التسع * * * لم يبق لي ما كنت أعتاده من الأناشيد، قد حبسَ الصوتُ في صدري من المرض الشديد. يا رسول الله، أتعبتني الألام وأجهدتني الأسقام فحبس ذلك النشيد في صدري فلا أستطيع أن أرفع صوتي به، وقد ضعُف ذلك الوجد الذي كنتُ أجده عند تلاوة القرآن. لقد ضاق صدري وإن قلبي لا يسع الدعاء المضطرب الذي لا يزال حبيساً في صدري والذي يحتاج إلى ظهوره فضاءً واسعاً يحيط به السماوات التسع. * * * وا أسفاً على ذلك الألم الذي تقاسي منه روحي و جسمي لو نظرتَ إليَّ نظر الكرم لشُفِيتُ من هذا الألم جسمي الضئيل لا يتحمل الأدوية المرة لا أستطيع أن أشمَّ الرائحة الكريهة للأدوية ليس شفائي في هذه الأدوية فأنا أبكي من تجرعها مثل الأطفال أغيِّربالسكر مذاق مرَارتها طبيبي بجانبي يبتسم على الحال التي أنا فيها أرجو منك أن يشفي الله سقمي كما شفَي البوصيري لأرجع إلى أيام العافية التي كنت أتمتع بها رأفتك بالعباد المذنبين أوسع وأعظم رحيم أنت بالمؤمنين فتمحو عنهم خطاياهم كالأم الحنون أحارب عبيد الظلام فاملأ سراجي بالزيت يا مَن وجوده في العالم مثل الربيع لا تُبعدني عن ظلك الظليل وأنت تعرف أن الجسم إنما يستقيم بالروح والروح تكون ذات قيمة إذا كانت في ظل الحبيب لا أرجو من غير الله رجاء فاجعلني سيفاً أو حوِّلني إلى مفتاح فهمت أسرار الدين بسرعة ودقة ولكن لم ينبتْ من أرضي نبات أرجو أن يكون سيفي أكثر حدّةً و أشد قطعاً لأن العمل عندي أكثر و أشد من عمل قاطع الجبل أنا مؤمن ولست بكافر جرِّب سيفي إنه ليس بكليل * * * أنا لا أستطيع تحمُّل هذه الأدوية المريرة، ذات الرائحة الكريهة، وليس شفائي في هذه الأدوية، فأرجو منك نظرةَ لطفٍ وكرمٍ يشفي الله بوسيلتها ما أجد من المرض، كما شُفي البوصيري بلطفك الكريم. فإن رحمتكَ على العباد المذ نبين أعظم وعفوكَ عن الخطايا أشمل. لا تحرمني عن ظلك الظليل فأنت لي كالروح، والجسم إنما يستقيم بالروح. قضيت عمري في فهم هذا الدين الذي جئتَ به، ولكنني وجدت الأرض قاحلة لا تنبت، لأن الناس سُحرت أعينُهم ببريق الدنيا فكثر إهتمامهم بها. وأنا أرجو أن يتقبل الله دعائي بوسيلتك، فيعطيني الصحة والقوة والنشاط للجد والعمل فأكون مؤمنا حقاً ولا يبقى الكلل بعد ذلك في سيفي، بل يصير أكثر حدَّةً وأشدَّ قطعاً. * * * ضيَّعتُ عمري دون أن يكون لي رصيدٌ من العمل و لا أملك شيئا إلا القلب أحفظه عن أعين الناس لأنه مفعم بحبك لأن علامة الحب منك لا تزال فيه عبدٌ لا يرجو المال والمنال يرى حياته موتاً إذا لم يبق حبك في قلبه يا من أعطَى الكُردَ حبَّ العرب اطلب عبدَك في جنابك عبدٌ في قلبه قَرْحٌ من ألم الحب مثل القرح الذي يكون في اللالة و الأحبة لا يعرفون شيئا من أمر هذا القلب عبدٌ يشكو و يحن مثل الناي أناشيد هذا الناي جعلت روحي مضطربة لا قرار لها مثل الحطَب الذي لا تزال باقية فيه شعلة من نار رحلت القوافل و الدخان يعلو عن الوجود في هذه الصحراء الواسعة أشكو و أحن لَعَلَّ قافلة أخرى تنزل روحي تبكي و تئن من شدة ما تجده من ألم الفراق واشكواه! وا ألماه علي! واحسرتاه علي! * * * لعمري، ليس عندي شيءٌ أستطيع أن أقدِّمه إلى جنابكَ يا رسول الله!، سوى هذا القلب الحائر المضطرب الذي دخل حبك في سويدائه فلا يفارقه، فها أنا أقدمه إليك. فاقبله واحفظه عن أعين الناس لأنه مليء بحبك وعلامة الحب لا تزال باقية كما هي. يا أيها الذي أعطى الكُردَ (1) حب العرب اطلب هذا العبد في جنابك. أشعر من ألم الحب، وسبّب هذا لألم الشديد قروحاً في قلبي، فصار قلبي مثل اللالة التي يوجد فيها حمرة الدم من ألم قلبها. أنا أشكو كما يشكو الناي، وأناشيد هذا الناي جعلتني مضطرباً. (2) وا أسفاه، رحلت القافلة ولم يبق في الصحراء إلا قليلٌ من النار، وشيءٌ من الدخان الذي يدلُّ على أن الأحبةَ قد رحلوا من هذا المكان. وأنا واقفٌ في الصحراء أشكو وأحِنُّ وأبكي على فراق الأحبة. ير يد إقبال يهذا الكلام أن قافلة الإسلام قد رحلتْ، ولم يبْق في المسلمين تلك الأوصاف والأخلاق التي كان المسلمون الأوائل يتحلون بها، وأنا أشكو وأبكي على ما نالتْ الأمةُ من التقهقر والزوال. - - - - - - - - (1) إن رجلاً كردياً كان يحب الرسول صلى الله حباً شديداً فزار قبره وجعل يبكي ويقول: ’يا رسول الله أنا كردي و أنت عربي فأنا لا أحسن أن ألتمس في جنابك ما كنت أتمناه‘ فنام تلك الليلة فلما أصبح صار يتكلم باللغة العربية، فقال: ’ أمسيت كردياً وأصبحت عربياً.‘ (2) ولعل الرومي، كما ذكرنا من قبل، يريد أن يلمح بهذا التعبير إلى ما قاله بعض الصوفية، أن من فطرة الإنسان أن يتجه إلى خالقه، فهو يحن إلى أصله بكاء الناي وحنينه إلى أصله. الرموز والمصطلحات آزر: اسم والد إبراهيم عليه السلام، كان يصنع الأصنام ويعبدها، والمراد عند إقبال الرجل الذي يحب الدنيا ويعتمد في جهوده على الأسباب ، فكأنه جعلها معبودا له، فصار مثل آزر في عبوديته لغير الله. آسيا : إقبال يشير بهذه الكلمة إلى تسلسل التمدن المادي والمعارف الروحانية عبر الزمان. أبو لهب : يعبر إقبال بهذ الاسم عمن تكون فيه صفات العناد في الحق والبعد عن كل أمر معقول. الإبريسم : الحرير، صفة من صفات المؤمن عند إقبال، وهو يقول: ’إن المؤمن مع إخوانه المؤمنين يكون متواضعا لينا كالإبريسم.‘ الأسد : يرمز به إقبال إلى صفات الشجاعة والقوة والثقة بالنفس لأنه لا يأكل ما يصطاده غيره من الحيوانات. فإقبال يرى أن المؤمن يتصف بالشجاعة والثقة بنفسه والإعتماد على ذاته ( الخودي ) والكسب بعمل يده. الأسرار : جمع سر، والمراد أسرار الشريعة، أو الأسرار التي ينطق بها الصوفية. أصحاب الحال : هم الأولياء والصوفية الذين يغلب عليهم الحال. راجع: الحال. أطك : نهر من الأنهار في باكستان، والمدينة التي يجري بها تسمى كذلك بنفس الاسم. الإفرنج : الغرب أو أهل الغرب. وبهذا التعبير يشير إقبال إلى المادية الخالصة العارية من إعطاء الروح الإنساني حقه. أنا ( الخودي ) : كلمة خودي (أنا) مهمة جداً في كلام إقبال، لأنه كثيراً ما يشير إليها، وتدور فلسفته حول هذا المصطلح، فهي في الحقيقة من أفكاره الرئيسية. الغرض الأسمى في نظر إقبال للدين الإسلامي أن يكون المرء عبدا لله بالاختيار، وذلك لأنه إذا اختار هذا الدين وهو راض به محب له تتكون في وجوده قوة روحانية عظيمة، تصدر عنها الأعمال العظيمة والأمور الجسيمة. وهذه القوة الروحانية التي يسميها إقبال الخودي (الأنا) فينكر إقبال تصور ’نفي الذات ‘ التي تخمد به الحيوية ويجمد الفكر. أناشيد: جمع أنشودة، ويعني بها إقبال كلام الأولياء الكبار الذي يشتمل على الحقائق الدينية. با يزيد : وهو العارف بالله بايزيد البسطامي، واسمه طيفور بن عيسى، ولد سنة 138 من الهجرة وتوفي سنة 261 ، عاش عيشة زهد طول حياته. كثيراً ما يذكره إقبال كمثال للعارف الكامل. بحر الكنك : إسم نهر كبير في الهند. البستان : الحديقة، يعني حديقة الإسلام، أو البلاد الإسلامية التي يحكمها المسلمون ويعيشون فيها طبقا للشريعة الإسلامية في حرية كاملة كالطائر الذي يحب أن يعيش في البستان لأن جوه ملائم لطبيعته. البلبل : الشاعر الإسلامي الذي يغني بأناشيد الإسلام مثل الرومي. البوصيري : محمد بن سعيد أبو عبد الله المتوفي 696 من الهجرة. كان محدثاً كبيراً وعالماً بارعاً وشاعراً مجيداً. ولما أصابه الفالج نظم قصيدته الشهيرة في مديح الرسول صلى الله عليه وسلم وزاره الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، واستمع إلى هذه القصيدة فألقى الرسول صلى الله عليه وسلم بردته عليه. فلما استيقظ شفي من مرضه ببركة هذه القصيدة. بيدق أو بيذق : أصله في الفارسية ’بيادة‘ الذي يسير بقدميه ومنه بيذق الشطرنج، وهو قطعة صغيرة في اللعب، يقتطع عمله ليبقى عمل القطع المهمة الأخرى. والمراد عند إقبال الرجال الذين لا أهمية لهم ولا مكانة‘ و هم يضحون بحياتهم لأجل حياة الآخرين. جمشيد : ملك كبير من ملوك إيران، كان عنده قصعة يرى فيها جنوده وهم يحاربون عدوهم. الحال : إذا مكث الرجل في طاعة الرب سبحانه وتعالى دهرا طويلا من الزمن، وهو يحب الله ورسوله حباً جماً، ينشأ منه حال من النشاط والسرور‘ فيستغني المرء بهذا السرور عن جميع لذات الحياة. الحب : المراد من الحب في فكر إقبال هو حب الله ورسوله. لأن الحب الصادق لله ورسوله ينشئ صورة صادقة للإخلاص وحسن النية. والحب يتفوق على العقل ويمتاز عليه. وكثيراً ما يعمل الحب عملا يدهش العقل، فبالحب يقتحم الرجل المهالك بينما العقل يبقى حائراً لا يتقدم. فبالحب دخل إبراهيم النار فصارت عليه برداً وسلاماً. والحب إن زاد واشتد سمى العشق، وإذا ازداد المرء في عشق الحبيب صارت في قلبه لوعة من الحزن والألم والقلق والحرمان. وكثيرا ما يذكر إقبال هذه الكيفيات في كلامه. حب الدنيا : يرى إقبال إن من واجب المسلم أن يحب الله ورسوله، وقلب المرء لا يتسع لحب الله ورسوله إلا إذا كان خالياً من حب الدنيا، وحب الدنيا رأس كل خطيئة. فالمسلم المنقاد لربه يستعمل ما يجد من متاع الدنيا ولكنه لا يسمح لحبها أن يدخل في سويداء قلبه. الحرير : راجع الإبريسم. حُسْن : الكمال الحاصل بالعمل بالشريعة والبلوغ إلى مرتبة الكمال في الطريقة. الحكمة : هي جميع ما أوحى الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم من معاني القرآن والسنة، والمؤمن إذا كان عمله موافقًا لجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يحصل له منه نور في قلبه فيرى بهذا النور ويفهم الأمور في ضوئه، فهذا الفهم هو الحكمة. الحَمَام : طائر صغير يتصف بالجبن والخوف، فيعبر به إقبال عن الرجل الذي يخاف الموت. خمر ألست : إن الله تعالى لما خلق الخلق سألهم:" ألست بربكم" قالوا : ’بلى‘. والمراد عند إقبال هو حب المرء لله سبحانه وعبوديته الكاملة له، كأنه يذكر ذلك العهد. خمرنا : الشريعة الإسلامية أو التهذيب الإسلامي. الدراويش : جمع درويش، أصله في اللغة الفارسية " در آويز " معناه الذي يأتي بابا فيلزمه ولا يبرحه. فإذا كان الباب باب رجل مثله فهو صعلوك متسول، وإذا كان ذلك الباب هو باب رحمة الله تعالى فيسمى الدرويش والفقير، والدرويش أحسن حالا من الفقير لأنه يغلب عليه الحال ولا يغلب على الفقير. الدين : هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وكلمة الدين تعني الأصول والكليات التي تقوم عليها الشريعة وتنبني عليها الأحكام، كوحدة الله سبحانه وأنه هو الخالق المالك , وأن الله بعث رسلا وأنبياء لهدايتهم إلى الحق، وأن الإنسان يحاسب يوم القيامة عن جميع أعماله في الدنيا. وهذه الأصول لم تزل مشتركة في تعليمات جميع الأنبياء والرسل. والكلمة في معظم الأحيان تشتمل على جميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. الرجل الحر: الإيمان بالله إيماناً جازماً، والتوكل عليه، والرضاء الكامل برضائه، هذه هي أهم صفات الحر، فإذا وجدت هذه الأوصاف فيه يكون حراً من عبودية الغير ويكون عبداً خالصاً لله. فهو كما قال إقبال :’ إن سجدة واحدة تنجينا من آلاف السجدات.‘ الرمز : معناه الإشارة أو السر المخفي. فسر لا إله إلا الله هو أن يخرج العبد من عبودية غير الله. روح الشرق : الأخلاق عند أهل الشرق، كالحياء والتواضع والإيثار وأن يحب الرجل لغيره ما يحبه لنفسه أي التهذيب المشرقي. الرومي : هو جلال الدين الرومي، شاعر صوفي كبير. ولد سنة 604 من الهجرة وتوفي سنة 672. له ديوان كبير يسمى بالمثنوي المعنوي. وكان إقبال مولعا شديد الولع بالرومي حتى إنه يسميه المرشد. سالك : من السلوك وهو السير في طريق الحق. فالسالك هو الذي يلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية ويقتدي بالأسوة الحسنة، ويسترشد بمرشده في السير إلى الله. السماوات التسع: إن بعضاً من المتصوفين يعدون العرش والكرسي في عدد السماوات فيقولون السماوات التسع، وإن الرومي أيضا قال في بعض كلامه السماوات التسع وتبعه فيه إقبال لأنه يتصور الرومي مرشده كذلك يقصد بها العالم كله . السومنات : اسم لصنم كبير مصنوع من الذهب منصوب في معبد كبير للهنود على قرب من كجرات (الهند)، جاء محمود الغزنوي لتحطيم هذا الصنم. يشبه إقبال قلب الرجل الذي يحب المال حباً جماً بالسومنات، كأنه جعل قلبه معبداً لعبادة المال. السيف : هذه الكلمة تعني في شعر إقبال القوة المادية، لأنه يرى أن الإسلام جمع بين القوة الروحانية والقوة المادية، كما اهتم الإسلام بتوفير حاجات الإنسانية الروحية والمادية. الشاهين : طائر قوي كبير، وإقبال يشير بالشاهين إلى المؤمن الذي يملك جميع أوصاف الإيمان. وفي الشاهين صفات تشبه تماماً صفات المسلم الحق، فهو يطير عالياً في الفضاء الواسع، ولا يأكل طعاماً تركه غيره، ولا يدخر طعامه لغد، وإذا لم يجد ما يأكله لا يبالي، ويسكن بعيدا في شواهق الجبال. وهذه كلها عند إقبال صفات الفقير. وقد نظم إقبال ( ديوانه: جناح جريل ) قصيدة كاملة ذكر فيها صفات الشاهين، وأشار إلى المشابهة التي بينها وبين صفات الفقير. شجر سيناء : شجر في قرب جبل الطور في سيناء يتلألأ بالضياء والنور، حينما كلم الله موسى تكليما وتجلى على الجبل فجعله دكا وخر موسى صعقا. وإقبال يلمح بهذا التلميح البليغ إلى معرفة الله تعالى، لأن المؤمن الصادق إذا عرف ربه حق المعرفة يتلألأ بالضياء ويتنوربالنور. الشرق : المشرق الإسلامي. كثيرا ما يذكر إقبال هذه الكلمة ويريد بها الأمة المسلمة. الصحراء : المراد صحراء العرب، وطبيعة الصحراء تنشئ في سكانها خصائص كثيرة من جودة الطبع وصفاء قريحتهم، والشجاعة والحماسة واحتمال المشاق في سبيل ما يعتقدونه صالحا لهم. وتجلّت هذه الأوصاف في الإسلام وتكاملت وازدادت معها الأوصاف الكثيرة المتنوعة، فظهرت منها أمة عظيمة قويمة البنيان راسخة الأركان. ضرب الكليم : يرى إقبال إنه من الضروري أن يتحلى المؤمن بالأوصاف الروحانية الأسمى، ويجمع بينها وبين القوة المادية، فضرب الكليم إشارة إلى أن موسى عليه السلام ضرب بعصاه البحر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، فكذلك المؤمن إذا كان مؤمناً حقاً تتفجر له العيون. الطريق : المراد منه طريق أهل التصوف والسلوك. والطريق لا يختلف عن الشريعة بل هو في الحقيقة العمل بالشريعة بجميع ما تحتوي عليها من الأحكام، ويغلب فيه على المرء حب الله ورسوله، فيسهل عليه الأمر لا يرى في الإلتزام جهداً ولا كلفة، بل يأتي به وكأنه نابع من طبيعته. الطير : يشبه به إقبال المؤمن كأنه يطير في الآفاق العليا ولا يكون همه الإلتصاق بالأرض. العارف بالله : الولي الكامل الذي توصل إلى معرفة ربه. عالم الأسباب : إن الله تعالى خلق الأشياء وخلق لها أسبابا، والإنسان في هذا العالم يتجه إلى الأخذ بالأسباب، ولكن هذه الأسباب لا تعمل بنفسها، إنما تعمل إذا اتصلت بها مشيئة الله تعالى وجرىحكمه بها. وكثيراً ما تفشل الأسباب ولا تحصل منها النتيجة المطلوبة. والمؤمن لا يعتمد على الأسباب فقط بل يعتمد على الله ويتخذ الأسباب المباحة. عالم الأرواح : مقام الأرواح. عالم الملكوت : مقام الملائك أي عالم القدس أو عالم الأرواح. العشق : الحب الشديد الذي يجد فيه العاشق لوعة في قلبه ويحزن على فراق الحبيب. راجع: الحب. العقاب : طائر كبير يطير في الفضاء. يشبه به إقبال المؤمن الكامل. العقل : كثيراً ما يشير إقبال إلى ترجيح الحب والوجدان والروح على العقل. فالعقل الإنساني محصور في دائرة المحسوسات فليس باستطاعته أن يدرك ما وراء العالم المحسوس. والعقل عند إقبال على ثلاثة أنواع: العقل الحيواني أو العقل المادي الذي يوجه الإنسان على حفظ الحياة وإشباع الغرائز الفطرية، والعقل الإنساني الذي يدل على أمور تتعلق بالعلوم والفنون والأمور التي تتعلق بالتمدن والحضارة، والعقل الرباني أو العقل الروحاني الذي تكتمل به حاجات الإنسانية الروحية، وهذا لا يتأتى إلا بالحب للخالق والقيام بما أمر به. الغراب : طائر أسود لا يحب الطيران ويأكل المطروح من الأشياء. يقول إقبال المؤمن لا يكون مثل الغراب يأكل الفضلات المطروحة من الناس بل عليه أن يجتهد لنفسه بنفسه يستغني عن الناس. الغرب : أهل الغرب وأفكارهم ووجهة نظرهم إلى الكون والحياة والإنسان. وكثيراً ما ينتقد إقبال الغرب لبعدهم عن مقتضيات الروح وإهتمامهم بما يتعلق بالمادة و الأسباب المادية.(راجع الإفرنج) الفارس : راكب الفرس والمراد منه عند إقبال هو الرجل المسلم الذي يتصف بصفات وخصائص يستحق بها قيادة الأمة. فرزين أو فرزان : الملك في الشطرنج ، عمله في اللعب مثل الوزير، يقول إقبال: ’ لا تعط أحداً بيدقك لتأخذ مكانه الفرزين.‘ معناه لا تعط الغير ما عندك من الشيء الحقير لتأخذ مكانه شيئا له قيمة.‘ فرعون : ملك من ملوك مصر القديمة، فرعون موسى، ولكن إقبال يريد بهذا الإسم عن كل رجل توجد فيه صفات مثل صفات فرعون من الكبر والإستكبار عن الحق والتعدي والظلم . الفقير : الفقر عند إقبال صفة إيمانية قوية. قال الله تعالى: " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله." فالناس يفتقرون في حاجاتهم كلها إلى الله. فالفقير هو الذي يعتمد على الله و يثق به ولا ينظر إلى أحد من الناس في حاجاته، ويتوجه في أموره كلها إلى الله ويدعوه دعاء متضرع خاشع ويناجيه مناجاة عبد ذليل فقير. القلب : القلب يمثل في الإنسان وجوده الروحي . فكثيراً ما يشير إقبال إلى القلب وحياته، وقد استفاد إقبال هذا المعنى من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ’ ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.‘ قيصر : ملك الروم. وإقبال يشير بهذا إلى الحاكم الذي يستبد في حكمه. كسرى : ملك الفرس. وعند إقبال هذا الاسم رمز للحاكم الطاغية. اللات ومناة : صنمان كبيران عند العرب قبل الإسلام. ولكن إقبال يعني بهاتين الكلمتين أن الناس يجعلون بعضا من التصورات والأشكال أصناماً لهم يقدسّونها. اللالة : الزنابق، زهر جميل أنيق لونه أحمر قاني الحمرة وتوجد في داخله نقطة سوداء شديدة السواد. يشبه إقبال قلب العاشق الحزين بهذ الزهرة، كأن قلب العاشق قد أدمى لأجل الجروح التي أصابته عن طريق الحب، أما داخله فاحترق من ألم الفراق. مُلاّ : كانت كلمة ملا لقباً ذا مكانة كبيرة، فيلقب به الناس الأفاضل مثل ملا جامي، ولكن لما غلب على الهند الأجانب استخدموا هذه الكلمة للسخرية والإستهزاء، ثم إن ناساً من المسلمين جعلوا يستعملون هذه الكلمة للمعلم وإمام المسجد. ويشير إقبال بهذه الكلمة إلى رجلٍ قليلِ العلم كثيِر اللجاج، لم يحصل له حظ من التربية الروحية. الملوكية : يشير إقبال بهذه الكلمة إلى الحكومة المستبدة الظالمة مثل ملكية قيصر الروم وكسرى الفرس في العصر الأول من الإسلام ومثل الملكية القائمة في انجلترا التي نال المسلمون على يدها كثيراً من الآم والمصائب. وليس المراد من كلمة الملوكية – كما توهم بعض المثقفين – سلاطين المسلمين، لأن إقبال يمدح كثيرين منهم مثل صلاح الدين الأيوبي ونور الدين الزنجي ونادر شاه الذي دعا إقبال لزيارة أفغانستان فنظم قصيدة في مدحه. الناي :آلة موسيقية، والمراد في كلام إقبال هو ما ذكره جلال الدين الرومي في افتتاح ديوانه: أن النأي لا يخرج منه النشيد إنما هو يبكي من ألم الفراق، لأنه قد اقتطع من الشجرة فيحن إليها ويذكر أصله ويريد وصلها بعد هذا الفراق. الهملايا : أعلى سلاسل جبال العالم وأطولها، تقع في شمالي شبه الجزيرة الهندية وتمتد من أقصى الهند في الشرق إلى آخر حدودها في الغرب. إقبال يشير بهذا إلى سكان الهند. اليد البيضاء : إن نبي الله موسى عليه السلام لما أخرج يده بأمر الله تعالى أمام فرعون خرج بيضاء منورة استضاء به الفضاء، فبهر بهذه المعجزة فرعون ومن كان عنده من ملأه. وإقبال يلمح باليد البيضاء إلى النور والضياء اللذين ينتجان من العمل بالشريعة ومن الإستقامة عليها، ’من طالت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.‘ يقول إقبال: ’ من الواجب أن يكون عند المسلم اليد البيضاء والعصا معا‘ يريد بهذا التعبير أنه ينبغي للمسلم أن يكون على درجة روحانية أسمى وعليه أن يجمع بين القوة الروحية والقوة المادية.‘ فهرس تقديم: بقلم الأستاذ الدكتور عارف كرخي أبوخضيري مقدمة في حياة إقبال وأعماله وأفكاره كلمة إلى القارئ تمهيد خطاب للشمس الحكمة الكليمية الحكمة الفرعونية لا إله إلا الله الفقر الرجل الحر في أسرار الشريعة السياسة الحاضرة كلمات قلائل إلى الأمة العربية فماذا نعمل بعد يا أقوام الشرق! بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم المصادر و المراجع المصادر و المراجع العربية الدكتور عارف كرخي أبو خضيري و الدكتور ساجد الرحمن الصديقي: ترجمة مثنوي إقبال فما ذا نعمل بعد يا أقوام الشرق، مكتبة الآداب، القاهرة. 2004م. محمد إقبال: هدية الحجاز، المجلس الأعلى للثقافة، 2002م، القاهرة، ترجمة سمير عبد الحميد إبراهيم. أبو الحسن علي الندوي: روائع إقبال،مجلس نشريات إسلام، كراتشي،1983م الفارسية محمد إقبال: كليات إقبال، مطبعة غلام علي، لاهور، 1985م نسيم أمروهوي: فرهنك إقبال، إظهار سنز، لاهور، 1989م. الأردية محمد حنيف شاهد: مفكر باكستان، لاهور 1997م جاويد إقبال: زنده رود، لاهور، 1987م فرمان فتح بوري: إقبال للجميع، كراتشي، 1978م محمد يوسف سليم جشتي: شرح مثنوي بس جه بايد كرد، لاهور. فقير سيد وحيد الدين: أيام الفقير، لاهور، 1987م. آقاي مجتبى مينوي: علامة إقبال، بزم إقبال، لاهور. شهزاد أحمد: التشكيل الجديد للإلهيات الإسلامية، لاهور. الإنكليزية Muhammad Iqbal: The Reconstruction of Relegious Thought in Islam, Prince offset Printers, 1984. Ishrat Hasan: The Metaphysics of Iqbal, Sh. Muhammad Ashraf, 1991. John Peck: How to Study a Poet, Palgrave,1988. Abdul Mughni: Iqbal the Poet, Bazm-e-Iqbal, 1992. M. Ikram Chughtai: Iqbal New Dimentions, Lahore,2002. هذا الكتاب: هذا كتاب جديد وشيّق وطريف لصديقي العالم الباكستاني الجليل الأستاذ الدكتور ساجد الرحمن الصديقي، وهو محدّ ث وأديب ولغوي ومترجم، له باع طويل في ميدان الترجمة. والكتاب شرح لديوان إقبال ( بس جه بايد كرد أي أقوام شرق، أي: فما ذا نعمل بعد يا أقوام الشرق ) والذي يسعدنا أن نقدمه إلى القراء العرب اليوم. ومن الجدير بالذكر هنا أن شرح الدكتور الصديقي هذا يُعدّ أول شرح باللغة العربية وُضع لترجمة ديوان إقبال، ومنهجه فيه يختلف عن منهج القدماء ؛ إذ أنه قد نجح في شرح الأبيات الفارسية شرحاً إجمالياً، وأبرز فيه روح النص وفكرة الشاعر. و لطريقة التي اختارها الدكتور الصديقي في هذا الشرح هي أنه لا يشرح لنا مغزى النص فحسب، بل ويبين لنا رموز الشاعر ومصادر فكره أيضاً. فالذي يعني الشارح هنا أمران مهمان: أولهما فكر إقبال الإسلامي، والثاني مذهبه الصوفي. والكتاب كله نموذج طريف لطريقة هذا العالم الباكستاني الأديب في شرح الشعر، وهي من هذه الناحية عمل نرحب به ونهنئ المؤلف عليه، ونحثه حثاً على مواصلة نقل التراث الشعري والأدب الباكستاني إلى لغتنا العربية. الدكتور عارف كرخي أبو خضيري جامعة بروناي دار السلام 1